https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

vendredi 12 mars 2021

الوطنية بين الانتعاشة والانتكاسة

 الوطنية بين الانتعاشة والانتكاسة

26 مارس 2013 جريدة الصباح

 بقلم: سامي نصر -

 شكلت الروح الوطنية والتضامن الاجتماعي الأيام الأولى للثورة احد ابرز مظاهر نجاح الثورة التونسية الشيء الذي جعلها محل اهتمام عالمي.

 ظهر فيها الشعب التونسي في أرقى صوره، شعب تطوع لحماية ممتلكاته وممتلكات غيره بطريقة عفوية وتنظم في شكل لجان حماية الثورة بطريقة تلقائية انتفت فيها المصالح الشخصية والحسابات السياسية الضيقة، كما حافظت الإدارة التونسية على اشتغالها رغم كل المخاطر داخل مقرات العمل وخارجها، ولكن ما إن بدأ الاستقرار النسبي يفرض وجوده على الحياة العامة والخاصة حتى اندثرت كل أشكال التضامن الاجتماعي وغابت كل مظاهر الروح الوطنية.. فهل لهذا التراجع مبررات سوسيولوجية موضوعية؟ وإلى أي مدى يمكن اعتباره حالة طبيعية أو مرضية؟ وكيف يمكن استرجاع مكانة الروح الوطنية والتضامن الاجتماعي؟

في إطار الإجابة عن هذه الأسئلة لابد من الإشارة إلى أن الثورات العربية عموما والثورة التونسية بشكل خاص من المفترض أن تشكل اليوم مختبرا جيدا لإعادة قراءة العديد من النظريات في العلوم السياسية وفي علم الاجتماع السياسي، إذ اندلعت الثورة في سياق هيمنة النظريات المفسرة لظاهرة العولمة مفادها أن من اهم مظاهر العولمة هو انهيار الدولة واندثار كل ما هو وطني، هيمنة الأشكال المعولمة على الخصوصيات الوطنية، وتمظهر ذلك فعلا في مختلف الأعمال الفنية والاقتصادية والرياضة كما تجسدت أيضا وبشكل بارز في كيفية اشتغال الأحزاب السياسية الوطنية التي خيرت التأقلم مع النظام المعولم حتى لا تندثر، وأصبحت شبيهة بالمنظمات الحقوقية في مطالبها وطريقة نشاطها... ولكن مع اندلاع الثورات العربية سجلنا عودة قوية لفكرة ولقيمة المواطنة.

قراءة في سوسيولوجيا المواطنة

إذا كان علم الاجتماع يدرس الظواهر الاجتماعية والعلاقات الإنسانية داخل المجتمع فإن هذا الأخيرة (المجتمع) يصبح موضوع اهتمام علم الاجتماع الذي يعني الوسط الاجتماعي (الوطن) ونوعية العلاقات الاجتماعية والتفاعل الايجابي والسلبي بين مختلف مكوناته، وهنا نتحدث عن أربعة أشكال من العلاقات التفاعلية مع الوطن هي:

أولا، علاقة تفاعل عاطفية: وتكون عادة في شكل ارتباط مستبطن داخل كل فرد، وفي هذا الإطار تحدث عالم الاجتماعي الفرنسي بيار بورديو P.Bourdieu عن مقوله لـ»الهابيتوس» Habitus والتي تعني استدخال ما هو خارجي، فروح المواطنة بهذا المعنى تكون عبارة إحساس يتجذر داخل كل فرد يعبر عنهç عادة بـ»ياء» الملكية مثل أسرتي وحيي ووطني والذي يعني بشكل أو بآخر عن التملك المعنوي للوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه.

ثانيا، علاقة دفاعية شرسة: يظهر هذا الإحساس بشكل بارز عندما يدرك الفرد أو هناك عدوانا خارجيا يهدد الوطن، لذلك تظهر قيم جديدة مستبطنة داخل الأفراد والجماعات لعل أبرزها قيم التضحية وقيم الهوية والدفاع عنهما والدفاع عنهما وتغيب عادة في مثل هذه الظروف المصالح الشخصية الضيقة... ولعل الأيام الأولى للثورة التونسية أحسن الفترات التي تجسدت فيها هذه النوعية من التفاعل الاجتماعي والتضامن الآلي على حد تعبير دوركايم.

ثالثا، علاقة تفاعلية إيجابية: تظهر هذه العلاقة عندما يشعر الفرد أن الوطن الذي يعيش فيه يمنحه فرص النجاح وتكافؤ الفرص، وهذا ما جعل عالم الاجتماع روبارت مورتن R.Merton يعتبر أن مفهوم النجاح والفشل المحرك الأساسي لسلوك الأفراد والجماعات والمحدد الأساسي لمواقفهم. كما يتجسد عادة شعور الفرد بمنحه فرص النجاح في مظاهر الإبداع في مختلف المجالات ويمنحه هذا الشعور أيضا القدرة على التنازل والتفاؤل بمستقبل أفضل.

رابعا، علاقة تفاعلية سلبية: تظهر هذه العلاقة عندما يشعر الفرد بالفشل وعدم تكافؤ الفرص وخاصة عندما يشعر بالتهميش والظلم من قبل المجتمع وأصحاب القرار، فتنتج لديه حالة غضب تصل أحيانا إلى درجة النقمة، وتبرز ظواهر اجتماعية خطرة يمكن أن تسبب في تدمير الذات والمجتمع مثل ظاهرة العنف اللفظي والمعنوي والمادي، وهذا ما يفسر اليوم تفاقم عمليات تخريب الممتلكات العامة والخاصة ومختلف أشكال ردود الفعل العنيفة التي أصبحت السمة البارزة في تونس.

دور المواطنة قبل وبعد الثورة التونسية

انتعشت فكرة المواطنة بشكل بارز طيلة الأيام الأولى للثورة التونسية بل حتى النشيد الرسمي الوطني أصبح له نكهة خاصة ذكرتنا باجواء الاستقلال وخروج المستعمر الفرنسي من بلادنا، ولمسنا ذلك في كل وسائل الإعلام وفي جميع شعارات السياسيين والنخب وعموم الناس... ومع مرور الأيام وتعاقب الأحداث بدأنا نلمس تراجعا ملحوظا، ولتشخيص وتحليل دور ومكانة المواطنة في حياتنا اليومية والسياسية يمكن الوقوف على ثلاث مراحل مصيرية أثرت بشكل مباشر على مكانة ودور مفهوم المواطنة لدى التونسيين:

أولا، مرحلة المخاض الثورية: الأكيد ان حادثة إقدام الشاب محمد البوعزيزي على حرق جسده لم تكن في حد ذاتها حادثة وطنية من شأنها ان تثير التونسية وتدفعهم للخروج للشارع ورفع كل تلك الشعارات التي انتهت بهروب رأس النظام ثم حل الحزب الحاكم، ولكن حادثة البوعزيزي كانت عبارة عن الشرارة التي أفاضت الكأس للتعبير عن جملة من المشاعر والأحاسيس المتراكمة داخل جل التونسيين، مثل الإحساس بالخوف من الحاضر ومن المستقبل، الإحساس المشترك بالظلم... بمعنى آخر كان هناك إحساس بخطر عدوان داخلي تجسد في النظام السابق وإمكانية عودته بقوة في الحياة السياسية واليومية، ثم الشعور بخطر عدوان خارجي خاصة بعد تسرب بعض الأخبار تفيد أن إمكانية أن تكون هوية القناصة أجانب (ولا ننسى خبر اعتقال بعض الأجانب أيام الثورة والتي ظلت الى اليوم تثير الكثير من التساؤلات والشكوك)... كل هذا ساهم بشكل مباشر في تغذية الروح الوطنية وجعلها تلعب الدور الرئيسي في تلك المرحلة، وفي هذا الاطار نشير إلى قاعدة سلوكية مجتمعية تقترب كثيرا من درجة القانون مفادها أن «الألم اداة وحدة والسعادة أداة فرقة» وهنا نتحدث عن ألم معيشي وألم منتظر.

ثانيا، مرحلة بوادر الاستقرار: يمكن تحديدها زمنيا ببداية اشتغال حكومة الباجي قائد السبسي وحل «حزب التجمع الدستوري الديمقراطي»، حيث ادرك المواطن التونسي درجة قوته وقدرته على فرض خياراته وتأمين مستقبل ثورته.. فمن جهة أولى اضمحلت درجات الخوف وخطر انتكاسة الثورة، ومن جهة ثانية برزت فكرة الغنيمة واقتسام التركة خاصة بعد انتخابات 23 أكتوبر، فقد ركزت وسائل الإعلام بمختلف إشكالها على ان تحالف الترويكا لم يكن على أساس التقارب في البرامج والمشاريع التنموية التي ستنقذ البلاد بل كان على أساس تقسيم غنيمة الوزارات والمصالح الشخصية والحزبية الضيقة،? وبدأت ملامح التناحر السياسي تطغى في جل البرامج الحوارية التلفزية وداخل قبة المجلس التأسيسي.. كل ذلك ساهم في انتكاسة مكانة الروح الوطنية.

ثالثا، المرحلة الحالية: تمر البلاد اليوم بمرحلة حساسة ومصيرية تحكمها التناقضات ويغلب عليها الطابق التنافسي والصراعي خاصة بين الأحزاب الفاعلة التي افرزها صندوق الاقتراع، والأحزاب التي ترى في نفسها إمكانية الفاعلية في المرحلة القادمة، وعلى المستوى الاجتماعي فان الشعب التونسي جرب الثورة ولمس قدرته الفعلية على إزاحة أي نظام ظالم مهما كانت درجة قمعه، ولكن العديد من التحركات الاحتجاجية الشعبية الضخمة باءت بالفشل، الشعب رفع العديد من المطالب الاجتماعية ولكنها ظلت مجرد شعارات ترفع في الاحتجاجات وتوظف من قبل السياسيين وبعض النخب. والصراع الأكثر تأثيرا على الحياة السياسية والاجتماعية اليوم ما نراه بين الأحزاب الحاكمة والأحزاب المعارضة:

الأحزاب الحاكمة: تحاول الأحزاب الحاكمة بمختلف الآليات والوسائل إزالة كل احساس بالخطر سواء أكان الخطر داخلية او خارجية من خلال تبنيها مطالب الفئات الاجتماعية الضعيفة والمناطق المحرومة والمهمشة والتركيز مثلا على المشاريع التنموية الواعدة.. حتى تحيي روح الأمل من جدي لدى عامة الناس تخفف من حدة الاحتقان. فما يخيف الأحزاب الحاكمة فعلا هو عودة اجواء ما قبل ثورة 14 جانفي أي الاحتقان واليأس.

الاحزاب المعارضة: في المقابل نجد ان استراتيجية الأحزاب المعارضة تقوم بالأساس على تغذية الإحساس بالخطر الداخلي كعودة الدكتاتورية من جديد والخارجي كهيمنة بعض الدول الاجنبية مثل قطر وأمريكا وإسرائيل خاصة بعد رفض الأحزاب الحاكمة التنصيص في الدستور على تجريم التطبيع مع اسرائيل، اضافة للتركيز بشكل واضح على الآم الشعب التونسي مثل البطالة والتفقير والتهميش وغلاء المعيشة.. بمعنى آخر تتلخص استراتيجية الاحزاب المعارضة في محاولة خلق أجواء مماثلة لما قبل ثورة 14 جانفي وتهيئة أرضية ثورة ثانية عبر توظيف الازمة الاجتماعية الخانقة التي تعيشها البلاد وخاصة عبر إعادة احياء الروح الوطنية.

اما عموم الشعب التونسي فقد وجد نفسه حائرا بين الاستراتيجية الواعدة والمطمئنة للاحزاب الحاكمة وبين الاستراتيجية السوداوية للاحزاب المعارضة، وعلى الرغم من كونه (الشعب التونسي) الاقل استفادة من الثورة إلا انه يبقى أهم فاعل قادر على تحديد ملامح المرحلة القادمة ومصير البلاد سواء أكان ذلك عبر الية الثورة الثانية أو عبر الآلية الانتخابية.

*دكتور في علم الاجتماع وناشط حقوقي وسجين سياسي سابق

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...