تفاقم ظاهرة الإقبال على العرّافين
هل هي من تداعيات الأزمة الإقتصادية
مشاركتنا في ملف حول العرافة.. (2016)
والإجتماعية... أم مسألة عقلية؟
إعداد: صبرة الطرابلسي
كانت صورة العراف كمال المغربي والإهتمام الإعلامي الذي لقيه نتيجة تناول مشاهد الإكتظاظ الذي يشهده من قبل مريديه عبر شاشات التلفزات وصفحات التواصل الاجتماعي بمثابة الصفعة التي أحالتنا إلى واقع جزء من المجتمع التونسي الذي ما يزال يعتقد في الخرافة ويؤمن بالقدرات الخارقة من أجل تحقيق أهداف وأحلام فشل في إدراكها بوسائله الذاتية.
ولئن لم تكشف أرقام رسمية عن عدد العرّافين في تونس الا أنّ تفشي الظاهرة بصفة ملحوظة أصبح واقعا لا يمكن أن ننكره ليمثل جانبا من عقلية تونسية عربية تكبّلها الخرافة فقد كشف تقرير صدر مؤخرا عن المركز الأمريكي «بيو» للأبحاث أن ما يعادل ٪86 من متساكني شمال افريقيا بما في ذلك تونس مقتنعون بوجود الجن مقابل ٪78 يؤمنون «بالسحر» و٪80» متأكدين من حقيقة «شر العين» و٪16 يستعملون وسائل لطرد شر العين ومفعول السحر.
في حين تكشف دراسات إحصائية عربية عن وجود مشعوذ واحد لكل ألف نسمة وتتخذ الظاهرة خطورة أكبر بحسب دراسة أخرى تؤكد أن ٪55 من المقبلات على العرافين من المتعلمات وصاحبات شهائد عليا علما وأن نسب الإناث المترددات علىمكاتب الدجالين تفوق نسبة الذكور وفق الدراسة ذاتها.
فما هي الأسباب التي تدفع بفئة هامة من التونسيين الى الإعتقاد في الخرافة والبحث عن أشخاص يوهمونهم بقدراتهم الخارقة في إيجاد حلول لمشاكلهم العويصة وما هي الانعكاسات المحتملة لتفشي هذه العقلية التي يكبّلها اعتقاد موروث في الخرافة والشعوذة وانهزام جزء من أجيال من المتعلمين أمام هذا الفكر المتناقض مع التفكير الحرّ والعقلاني؟.
عشرات الاعلانات لمكاتب العرافين تتصدر بعض الجرائد واليوم أصبحنا نرى مواقع مختصة في مجال الشعوذة على شبكات التواصل الاجتماعي حيث نجد بعض التطبيقات الالكترونية التي تقوم بدور العراف وهو ما يعكس تغلغل ثقافة الوهم في مجتمعنا كما يسميها علماء الاجتماع.
أحمد بالشيخ شاب تونسي عاطل عن العمل وحاصل على شهادة في التكوين المهني أنهكه طول الانتظار للحصول على عمل بعد ان قام بمحاولات متعددة وطرق أبوابا مختلفة ليختار اللجوء الى احد العرافين عله يزيل عنه «النحس» الذي منعه على حد قوله من ادراك ضالته وايجاد عمل يوفر له مصدر رزق قار ويضمن له حياة كريمة.
وقد أكد محدثنا انه يعتقد في السحر وفي ما يسمى «بالتابعة» التي تعرقل سير الأمور الحياتية وتمنع أسباب النجاح لذلك لجأ الى احد العرافين المعروفين في منطقته ليحل هذه العقدة التي يرى ان قوى خفية تقف وراءها ورغم انه لم يتوصل الى حل الى حد الان الا انه يعتقد انها «تابعة قوية» تستوجب عرافا من «النوع الرفيع» كي ينجح في التغلب عليها.
الآنسة ريم ح. التي تجاوزت عقدها الثالث بسنوات وهي لا تعمل ومتحصلة على شهادة تقني سام في الاعلامية لجأت بدورها الى احد العرافين المعروفين بالعاصمة بعد ان سمعت عن بركاته وقدراته الخارقة على فك العقد وطرد النحس.
ريم أخبرتنا بلهجة يسودها اليأس أن لجوءها الى العراف كان آخر الحلول التي بحثت عنها للخروج من الوضع النفسي والمادي الذي تعيشه بسبب انسداد الآفاق أمامها. فعدم تمكنها من الحصول على عمل ولا حتى فرصة للارتباط والزواج جعلها تعتقد في وجود نحس يلازمها ويعطل أسباب نجاحها وسعادتها.
وتقول محدثتنا ان العراف الذي اتصلت به قام بمنحها «حجابا» واخبرها انها فعلا تشكو من «تابعة» قوية وهي تعتقد ان كلامه صائب وترى ان وجود قوى خفية من تأثير «الجن» امر صحيح ومؤكد وفق ما جاء في القرآن الكريم.
ثقافة الوهم
في فترة التحولات العميقة التي تحصل في المجتمع وخاصة خلال صعوبة ظروف الحياة تتنامى مشاعر عدم الاستقرار وفق ما يؤكده علماء الاجتماع وبالتالي يزداد انتشار الخرافات بانتشار حالات القلق والاضطراب والشعور بالضعف والعجز عن مواجهة مشاكل الحياة ومخاطرها. هذا ما اكده الأستاذ سامي نصر وهو استاذ جامعي مختص في علم الاجتماع موضحا ان الشعوذة والخرافة أصبحت متنفسا لفئة هامة من المجتمع باعتبارها تقوم بتهدئة المخاوف الناجمة عن الاضطرابات التي تسود واقعنا اليوم وما تشهده حياتنا اليومية من ضغوطات نتيجة المشاكل الاقتصادية والوضع العام للبلاد.
ويضيف الأستاذ نصر ان انتشار ظاهرة الشعوذة واستقطابها لاعداد كبيرة من التونسيين يعود لأسباب اجتماعية واقتصادية وايضا سياسية. اضافة الى مساهمة بعض البرامج التلفزية التي نشاهدها عبر القنوات التونسية او العربية في ترويج افكار تقوم على امكانية الثراء السريع وهي احدى مظاهر ثقافة الوهم التي تغذيها معتقدات الأشخاص في اجياد حلول جاهزة وسريعة من شأنها ان تحدث تحولات كبيرة على حياتهم حيث يمثل اللجوء الى العرافين احدى مظاهرها.
وأشار محدثنا الى تعدد وتكرر جرائم التحيل وتنوع ضحاياها في المجتمع التونسي نتيحة لجوء الكثير من الاشخاص الى حلول من قبيل الشعوذة وايهام الضحايا بامكانية حل مشاكلها مهما كانت مستعصية.
الإيمان بالله والتقرب منه عبر العبادات والدعاء والقرآن هي الطريقة الوحيدة الكفيلة بازالة ما يعرف بشر العين او الحسد او حتى السحر وما عدا ذلك من اللجوء الى العرافين هو من باب الخرافة والاعتقاد في قدرات بشرية هي في الواقع ليست سوى تدجيل وضحك على الذقون هذا ما أكده الأستاذ بجامعة الزيتونة عفيف الصبابطي موضحا ان ديننا الحنيف يتوفر على كم كبير من الأدعية الى جانب القرآن الكريم والتي من شأنها ان تحصن النفس وتمنح المسلم الراحة النفسية التي ينشدها.
مضيفا ان اللجوء الى العرافين يعتبر مظهرا خطيرا في مجتمعنا باعتباره يعكس الاعتقاد في الخرافة وهو ما يجب ان نقاومه من اجل تحرير العقل عبر نظم تعليمية تغذي الروح النقدية وتحث على إعمال العقل لا مجرد تقبل معلومات جاهزة.
ويؤكد محدثنا ان التوبة الى الله والأدعية وتلاوة القرآن الكريم كفيلة بازالة اثر العين والحسد وتحصين النفس وفيما عدا ذلك فهو مجرد لغو اما اذا تعلق الامر بمرض عضوي فيجب اللجوء الى الطبيب والدعاء لله الشافي لا البحث عن وصفات رعوانية يقوم بها دجالون يوهمون ضحاياهم بنجاعتها.
ويرى الأستاذ عفيف الصبابطي ان التهميش الاجتماعي والفقر قد ساهما في ترسيخ الاعتقاد في الخرافات والشعوذة لدى المجتمع التونسي رغم ان الدين الاسلامي يحث على اعمال العقل والقطع مع الشعوذة والخرافات.
ويذكر ان ديوان الافتاء التونسي اصدر مؤخرا فتوى وصف من خلالها اللجوء الى العرافين والأطباء الروحانيين بالخزعبلات والضحك على المرضى.
وأبرز ديوان الافتاء من خلال بلاغ أصدره نتيجة اشتهار العراف كمال المغربي الذي يدعي امتلاكه لقدرات خارقة ان العرافين والأطباء الروحانيين يستغلون الحالات النفسية للمرضى لأغراض ربحية لذلك لا يجب التعامل مع كل من يروّج للخرافة والدجل والشعوذة.
ولئن بدا انتشار العرافين في تونس واستقطابهم لاعداد كبيرة من المواطنين من كل الفئات الاجتماعية امرا غريبا عن خصوصية الحياة الحديثة التي تقوم على التكنولوجيات والتقدم العلمي والايمان بالعقل والفكر الا ان الظاهرة تبدو غير مقتصرة على المجتمع التونسي بل هي ظاهرة عربية ناجمة عن عقلية موروثة تقوم على الخرافة لم يتمكن العقل العربي الى الان من التخلص من أغلالها لذلك يبقى للعمل الثقافي واصلاح الأنظمة التربوية وتوجيهها نحو تحفيز التفكير النقدي واعمال العقل السبل الكفيلة باخراج المجتمعات العربية عامة والمجتمع التونسي بصفة خاصة من مثل هذه المظاهر المخجلة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire