https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

samedi 13 mars 2021

سوسيولوجيا النكت الشعبية

 سوسيولوجيا 

النكت الشعية والسياسية

احتلت النكت السياسية والشعبية مكانة متميزة لدى الشعوب والأمم، وبين مختلف الفئات الاجتماعية، وأصبحت ظاهرة التنكيت تثير اهتمام العديد من المفكرين والباحثين لثراء المضامين والقضايا التي تعالجها. كما تحوّلت النكتة إلى إحدى المواضيع الرئيسية التي تهتم بها العلوم الاجتماعية والإنسانية، مما جعل البعض منهم يؤسس ما يسمى بـ"سوسيولوجيا النكتة"، باعتبارها مرآة تعكس النسق الثقافي السائد في مجتمع ما وتوفّر للباحثين مادة خصبة لفهم خفايا المجتمع خاصة وأن معظم المواضيع التي تتناولها النكت سياسية كانت أو الاجتماعية مستوحاة من المعيش اليومي للإنسان، وباعتبارها أيضا  إحدى الوسائل جيدة للتعبير عن الآراء والمواقف المكبوتة لدى الأفراد والمجتمعات التي يصعب الجهر بها بسبب الموانع السياسية والاجتماعية والنفسية، ومن هذا المنطلق تمثل النكتة  حسب تعبير“هنري برجسون"  محاولة لقهر القهر.


متى تزدهر النكت؟


تزدهر النكتة وتنتشر عادة في مواسم ومناسبات معينة، إذا تتجلى بشكل واضح في المجتمعات التي تنعدم فيها حرية الرأي والتعبير وتتفاقم الموانع والضغوطات، لتصبح بذلك عبارة عن وسيلة دفاعية لدى تلك الشعوب أو إعلام بديل لما هو رسمي وشبه رسمي،  وعلى حد تعبير الباحث الاجتماعي خالد بن عمر الرديعان في دراسته "متى تكون النكتة تعبيراً عن الرأي العام؟!" تمثل النكتة السياسية "ترمومترا" يقوم برصد المزاج الشعبي تجاه سياسة الدولة، وأن هناك علاقة طردية بينها وبين حرية التعبير، إذ كلما ضاقت مساحة حرية التعبير في مجتمع ما ازداد انتشار النكتة وتداولها بين الفئات الاجتماعية. كما أكّد من جهة أخرى أن الإشاعات والنكت الشعبيّة والسياسيّة "التي تعتمد عليها بعض الفئات الاجتماعيّة تجد رواجها عندما تشعر هذه الفئة أن الإعلام الرسمي لا يمنحها فرص التعبير عن مواقفها وتطلّعاتها، أو لا تستجيب لرغباتها، أو عندما تجرّم القوانين حريّة الرأي والتعبير، وتجعل صاحب الرأي الحر عرضة للمسائلة القانونيّة... فتصبح عبارة عن محاولة لإيجاد مخرج لتلك الضغوطات. لأجل ذلك ترتبط الإشاعات والنكت الشعبيّة والسياسيّة بالظروف الاجتماعية والسياسيّة لمستهلكي ومنتجي تلك النكت  والإشاعات." واعتبر الأستاذ فائز ناصر الدين من جهته في دراسته  "النكتة السياسية في سورية : منبر من لا منبر له" أن انتشار ظاهرة النكت السياسية تعود بالأساس إلى  سياسة كم الأفواه وغياب الوسيلة الفعّالة والناجعة لتمرير الانتقادات تجاه مشاكل سياسية واقتصادية.


المستهدفين من النكت


وفي ما يتعلّق بالمستهدفين من التنكيت فإنه من الصعب جدا تحديدها في النكت الشعبية، فقد تستهدف أحيانا الفئات والشرائح الاجتماعية المحظوظة، كما قد توجه أيضا للفئات الفقيرة والمهمّشة، فكثيرا ما تعبّر عن نوعية العلاقة بين تلك الفئات وشكل التفاعل فيما بينها، وهذا ما جعل علماء الاجتماع وعلماء النفس يعتبرانها دليلا على درجة حيوية شعب ما، وأيضا على درجة اهتماماته ورغبته في تجاوز المعيش اليومي وعدم الاستسلام له. وفسرت المدرسة الفرويدية مثلا النكتة على أنها نوع من أنواع التعبير عن اللاشعور والأفكار غير المعلنة، وأن قوة النكتة تكمن في هدفها. أما بخصوص النكت السياسية فتستهدف عادة سياسة الدولة وقراراتها ورموزها وكل ما يتعلّق بها، باعتبارها "فعلاً سياسياً" بديلا للسياسة الرسمية. 


نكت نموذجية 


ترتبط عادة أهمية النكت السياسية والاجتماعية وسرعة انتشار بين أفراد مجتمع ما بدرجة ارتباطها بالواقع المعيشي للمواطنين، فمع الارتفاع المشط في أسعار السمك مثلا ظهرت على الساحة نكتة اجتماعية  تقول بأن أحد الصيّادين  اصطاد سمكة وطلب من زوجته قليها،  لكن الزوجة اعتذرت لعدم وجود زيت بالبيت، فقال لها اسلقيها في الماء فاعتذرت ثانية لعدم وجود قارورة غاز بالبيت، فطلب منها أن تشويها فاعتذرت لعدم توفر الحطب أو الفحم، فما كان على الصيّاد إلاّ أن ألقى بالسمكة في البحر فهتفت السمكة "تعيش الحكومة".


التنكيت في تونس


ظهرت في تونس ظاهرة التنكيت بشكل بارز في فترة الستينات والسبعينات وجسّدت آنذاك الصراع القائم بين "البلدية" السكان الأصليون للعاصمة  و"النزوح"، إذ انتشرت النكت التهكّمية والاستهزائيّة من الطرفين، ثم انتقلت بسرعة إلى الفضاء المسرحي والتمثيلي ونشير هنا للنجاح الباهر لمسرحية "المارشال" والتي ردّت عليها فرقة قفصة للمسرح بأكثر من مسرحية نذكر منها مسرحية "عمّار بوصور"...  كما برزت في السنوات الأخيرة العديد من النكت الشعبية التي تتخذ من أهالي المناطق الراقية (المنزه والمنار...) موضوعا لها.  ومن جهة أخرى لم يكن مجتمعنا بعيدا عن إنتاج أو إعادة إنتاج النكت السياسيّة المتضمنة للعديد من الدلالات الاجتماعيّة والسياسيّة ونشرها بين الأفراد والجماعات، واعتمادها كإعلام بديل، وذلك لما يفره لهم من حصانة وعدم المسائلة القانونيّة لأنّ عمليّة تناقل النكت والإشاعات لا تتضمّن اسم منتجيها، إضافة إلى إمكانية تحويرها من متقبّل إلى آخر، وبذلك نصبح لا نميّز بين الراوي والمنتج. وارتبطت هذه النكت عادة بالتظاهرات السياسيّة الكبرى مثل الانتخابات والاستفتاءات وأحيانا ببعض الزيارات واللقاءات الرسمية، ولكن رغم كل ذلك تناقلها بين المواطنين عادة ما يتّسم  بشيء من الحذر.


  وبدأت تظهر في الفترة الأخيرة  طرق جديدة في إنتاج ونشر النكتة عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة مثل تقنية الاتصال اللاسلكي الموجودة في الأجهزة الخلوية الحديثة أو ما يعرف بـ "البلوتوت"، إضافة للانترنت وخاصة "اليوتوب"  التي تكون عبارة عن صور وأشرطة فيديو و"كليبات"، وأصبحنا نشاهد طرافة إبداعية وكوميدية في هذا المجال وصلت إلى حد منافسة الأشكال القديمة للنكت السياسية. 


        كنتيجة لكل ما ذكر، وخاصة للدور الذي أصبحت تقوم به النكت السياسية كإعلام بديل لضحايا حريّة الرأي والتعبير وضحايا التهميش الاجتماعي،  حاولت السلطة بدورها ملاحقة هذا النوع من الإعلام من خلال إنتاج  ونشر نكت سياسية مضادة تتخذ من المعارضين ونشطاء حقوق الإنسان موضوعا لها، تظهر أحيانا في شكل مقالات صحفية أو صور كاريكاتورية، وأحيانا أخرى نجدها على موقع "اليوتوب"، وكثيرا ما يتم تسخير وسائل الإعلام الرسميّة  لهذا الغرض.

سامي نصر

كتبنا هذا النص في 2007 وخيرنا إعادة نشره 

Sami Nasr sociologue

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...