https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

mardi 16 mars 2021

تأهيل السجين أم تأهيل السجّان

  



تأهيل السجين أم تأهيل السجّان
الدكتور سامي نصر
مختص في علم اجتماع السجون


أوّلا، ارتفاع نسب الإجرام، فحسب احصائيات الأمم المتحدة التي تدل على زيادة حجم الجريمة كل عام بنسبة 5% وهي تفوق بكثير نسبة زيادة عدد السكان[1]
تفاقم ظاهرة العود: تفاقمت ظاهرة العود في السنوات الأخيرة، الشيء الذي جعل العديد من البلدان تفكّر بجديّة في إيجاد حلول بديلة للعقوبات السجنيّة، إذ " تصل في بعض الدول العربية إلى 24% وفي أمريكا 54.5%... وفي امارة دبي في الفترة من 96 الى 1998 تراوحت ما بين 33.19% الى 61.9%... وفي دراسة أجراها المتحدث (الدكتور عبد الله عبد الغني) على بعض الدول العربية تونس والأردن ومصر توضح ان متوسط العود بين نزلاء السجون في هذه الدول قد بلغ 24% من المودعين في سجونها عام 1993 وأوضحت دراسة اجريت في الكويت ان نسبة العائدين عام 1980 قد بلغت 22.5% وفي مصر بلغت عام 1969 حوالي 27.5%.[2]
كما يشير تقرير وزراء الداخليّة العرب لسنة 1994 إلى أنّ نسبة العود في البلدان العربيّة تصل في بعض البلدان العربيّة إلى حوالي 70%...

شكّلت قضية تأهيل المساجين وإعادة إدماجهم في الحياة الطبيعية أحد المواضيع الرئيسية المطروحة اليوم، خاصة بعد تفاقم ظاهرة الإجرام وارتفاع نسب الجريمة ببلادنا، وعجز المؤسسات السجنية والعقابية عن تحقيق أهدافها الردعية وأيضا الإصلاحية والتأهيلية.   ولتفادي الدور السلبي للمؤسسات السجنية تم اتخذتها العديد من الإجراءات في السنوات الأخيرة، منها ما تعلّق بالجانب التشريعي، ومنها ما ارتبط بالمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية. إضافة لعقد المؤتمرات والندوات الوطنية والدولية في هذا الغرض وزيارة المؤسسات السجنية. ولكن رغم كل ذلك، بقيت عجلة الإجرام تدور حول نفسها، الإجرام يغذي السجون والسجون تغذي الجريمة  وارتفعت بشكل ملحوظ نسب العود للجريمة.  فما هي هذه الإجراءات؟ وأين تكمن عراقيل إصلاح تأهيل المساجين  وإعادة إدماجهم من جديد في الحياة الطبيعية؟
إجراءات هامة
منذ نهاية الثمانينات تعدّدت وتنوّعت الإجراءات الإصلاحيّة للسجون التونسيّة، ففي 4 نوفمبر 1988 تم تعويض الردع كهدف أساسي للمؤسسات السجنية بهدف الإصلاح والتأهيل وهو ما تضمّنه النظام الخاص بالسجون. كما تم في ماي 1989 إلغاء فكرة التشفّي من مرتكبي الجرائم بعد أن توقف العمل بعقوبة الأشغال الشاقة والمصادقة على إعلان الأمم المتّحدة الخاص بـ"القواعد النموذجيّة الدنيا لمعاملة السجناء". وفي إطار التعاون الدولي والالتزام بالمواثيق الدولية تم في أوت 1999 إقرار عقوبة العمل لفائدة المصلحة العامة (TIG) كعقوبة بديلة للسجن، وفي جويلية 2000 وقع إحداث خطّة قاضي تنفيذ العقوبات الذي أوكلت مهمة مراقبة ومتابعة المساجين أثناء قضائهم للعقوبات السالبة للحرية. وفي نوفمبر من نفس السنة وقع إحالة المؤسسات العقابيّة وإدارتها إلى وزارة العدل عوضا عن وزارة الداخليّة. وفي ماي 2001 تم إصدار القانون المتعلّق بنظام السجون المعمول به حاليّا والمتضمّن للعديد من النصوص القانونية في هذا الغرض، أهمها:  ما ورد بفصله الأول الذي أكّد أن هذا القانون "يكفل حرمة السجين الجسدية و المعنوية و إعداده للحياة الحرة و مساعدته على الاندماج فيها". أمّا في المادة الخامسة والسادسة من الفصل 19 فقد أقر بحق السجين في "تعاطي الأنشطة الفكرية و الرياضية طبق الإمكانيات المتاحة وتحت إشراف موظف مختص تابع لإدارة السجن... ومتابعة البرامج الترفيهية طبقا للتراتيب الجاري بها العمل". كما خصّص الفصل 37 و38 و39 للرعاية الاجتماعية للسجين عبر "تعديل السلوك الانحرافي المساجين وصقل طاقاتهم الفكرية والبدنية وإعدادهم للحياة الحرة و تدريبهم مهنيا و مساعدتهم على التعلم و تهذيب سلوكهم". كما أكّدت المادة الرابعة من الفصل 37 على "متابعة حالة السجين عند الإفراج عنه و تسهيل اندماجه في محيطه الأصلي بالتنسيق مع الهياكل المختصة المعنية".
وعلى مستوى التعاون العربي والدولي نظمت جمعية إدماج المساجين المفرج عنهم بمناسبة الذكرى الستين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ندوة حول "تأهيل المساجين وإدماجهم" شارك فيها العديد من الخبراء والمختصين من تونس وأوروبا. تم خلالها تسليط الضوء على بعض الثغرات في المنظومة السجنية والدور المناط على منظمات المجتمع المدني في هذا المجال.
كما نظمته الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب بتونس العاصمة يومي 11 و12 جوان 2008  مؤتمرها الرابع عشر،  حضره العديد من المختصين والمسؤولين عن المؤسسات العقابية للدول العربية. أكد خلاله محمد بن علي كومان الأمين العام لمجلس وزراء الداخلية على ضرورة جعل المؤسسات العقابية والإصلاحية في الدول العربية "أداة حقيقية للإصلاح، ومكانا يتجلى فيه احترام حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن دور هذه المؤسسات لا يتعلق بتنفيذ العقاب المفروض على نزلائها بقدر ما يتعلق بإصلاحهم وتأهيلهم للعودة إلى حياة اجتماعية ناجحة، تسهم في  مسيرة التقدم والازدهار".  وركّز بيان الختامي بشكل أساسي على ضرورة  تحسين معاملة المساجين  وصياغة سياسة أفسح لإعادة تأهيل المجرمين للاندماج من جديد في المجتمع. ودعا إلى بذل المزيد من العمل لضمان حقوق المجرمين من خلال مراعاة المعايير الدولية الخاصة بالمعاملة العقابية والإصلاحية. إضافة إلى ضرورة استحداث آليات تكفل تحقيق رقابة فاعلة لمتابعة مدى الالتزام بهذه المعايير. وفي إطار تشريك الجمعيات والمؤسسات الخاصة في معالجة القضايا السجنية دعا المشاركون إلى البحث في إمكانية إنشاء مراكز إنتاجية تكون مخصصة لتشغيل المفرج عنهم بما يسهم في العودة للحياة الطبيعية وتأمين مورد رزق كريم لهم 
نجاعة مفقودة
رغم كل هذه الإجراءات والمبادرات لم تتغيّر وضعية سجوننا، وبقيت عاجزة عن تأهيل وإصلاح نزلاءها بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها الردعية. فقد بلغت نسبة ارتفاع الجريمة إلى أعلى مستوياتها في السنوات الأخيرة بحوالي 5% أي أكثر أربعة أضعاف نسبة نمو السكان ببلادنا. وتفاقمت بشكل واضح نسبة العود للجريمة، وهو ما يعني فشل هذه المؤسسة في تحقيق أهدافها.  كما بقيت النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية والإقليمية مجرّد شعارات ترفع في المناسبات. كل هذا يجعلنا نتساءل عن العراقيل الحقيقية وراء فشل هذه المؤسسة في التأهيل والإصلاح وإعادة إدماج المساجين في الحياة الطبيعية.
المتمعّن في هذه القضية يلاحظ أن هناك على الأقل أربع عراقيل تحول دون إعادة إدماج المساجين. وتشترك أكثر من مؤسسة اجتماعية في ذلك. فالمؤسسة الأولى التي تتحمّل مسؤولية هذا الفشل هي المؤسسة السجنية ذاتها، فالنظام السجني المعمول به لم يشهد أي تطوّر منذ الاستقلال إلى اليوم، وبقيت البرامج التأهيلية مقتصرة على نسبة ضئيلة جدّا من المساجين نظرا لحالة الاكتظاظ التي تعاني منها سجوننا وغياب العدد الكافي من الإطارات السجنية المؤهلة لذلك. كما أن إدارة السجن أصبحت مهمتها تكاد تكون مقتصرة على الحراسة وتؤكل جل مسؤوليات الإشراف والإدارة للمساجين أنفسهم مثل كبران الشمبري (ناظر الغرفة) وكبرانا لكرفي وكبران اللارية وكبران السقيفة و... الإضافة إلى ذلك تساهم مقاييس اختيار هؤلاء المشرفين من المساجين في مزيد تردّي الوضعية السجنية وفي استحالة تحقيق أي شكل من أشكال الإصلاح والتأهيل فعادة يتم اختيار أسوئهم لضمان سيطرته على بقية المساجين، وكما يقول المثل "كيف يستقيم الظل والغصن أعوج؟".  
كما تتحمّل المؤسسة الأمنية هي الأخرى مسؤوليتها في فشل المؤسسات السجنية، فقد أكّد لنا أحد خرّجي السجون أنه كلما يقرّر التوبة والابتعاد الحياة الإجرامية بعد كل تجربة سجنية يجد نفسه عاجزا ذلك بسبب اعتقاله مجددا  وتوجه التهم إليه عندما تحصل جريمة في منطقته أو في المناطق المجاورة، وكثيرا ما تم إجباره على الاعتراف بجرائم ارتكبها أو التي لم يرتكبها. فاتهامات الأمن المتواصلة لخرّجي السجون تصبح في هذه الحالة أحد العوائق الرئيسية أمام إدماجهم في المجتمع، ويساهم في تكريس الروح الإجراميّة لديهم عوض أن تساهم في تأهيلهم وإصلاحهم وإدماجهم.
هذا فيما يتعلّق بمساجين الحق العام أما بالنسبة للمساجين السياسيين فإنه عادة ما تكون حياتهم في مرحلة ما بعد السجن أصعب بكثير من فترة قضائهم للعقوبة السجنية. فإضافة للعزلة المعنوية المفروضة عليهم وتخويه المحيط الاجتماعي الذي يعيشون فيه وحرمانهم من أبسط حقوق المواطنة كالشغل والتنقل، تسلّط عليهم عقوبة المراقبة الإدارية. هذه العقوبة التي طالبت الأمم المتحدة والعديد من المنظمات الحقوقية الدولية المعنية بالسجون كالمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي وغيرها بتطبيقها كعقوبة بديلة للسجن في حين تطبق في بلادنا كعقوبة تكميلية تستهدف بالأساس مزيد إذلال المساجين السياسيين السابقين.
 أمّا المؤسسة الرابعة المسؤولة عن فشل المؤسسات السجنية وعجزها عن تأهيل وإدماج السجين بعد خروجه من السجن فقد أكّد العديد من علماء الإجرام أمثال "ساكس وماتزا" أن المجتمع عندما يرفض العيش مع من زلّت بهم القدم فإنه يخرق لديهم ما يمكن أن نسميه بالرفض المضاد، وهو ما يكرّس في نفوسهم الروح الإجرامية والانتقامية من المجتمع ذاته. وإذا رجعنا للمجتمع التونسي فإننا نجد يستعمل أبشع النعوت لمن دخل السجن مثل وصمه بـ"صاحب سوابق" أو فأر حبس" أو "ولد حبس" وهذا ما يجعل إعادة إدماجه أمرا مستحيلا.  


من خلال ما تقدّم نلاحظ أن معالجة الظاهرة الإجرامية ببلادنا وإعادة إدماج المساجين يتطلّب بالأساس وعلى الرغم من أهمية "النظام التدريجي" الذي طبّق في العديد من دول العالم وأثبت نجاعته لم تستفد منه سجوننا  على نفس الوتيرة



[1]  محمد محيي الدين "الاتجاهات الحديثة في السياسات العقابيّة ومدى انعكاساتها في العالم العربي" – المجلة العربيّة للدراسات الأمنيّة والتدريب- العدد 21 ماي 1996 ص16.
[2]  جريدة البيان السبت 27 ربيع الاول 1420هـ الموافق 10 يوليو 1999 - الندوة التي نظمتها شرطة الشارقة بالمركز الاعلامي حول (العود الى الجريمة) شارك فيها الدكتور عبد الله عبد الغني من مركز البحوث والدراسات بشرطة الشارقة والنقيب عادل حديد مدير فرع السجن الاحتياطي بالمنشآت الاصلاحية والعقابية بامارة الشارقة وقدم للندوة النقيب محمد سعيد بوزنجال مدير فرع التوجيه المعنوي وحضرها عدد من منتسبي اكاديمية الشارقة للعلوم الشرطية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...