https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

mardi 16 novembre 2021

سوسيولوجيا التمرّد: الشعب التونسي نموذجا

 

الشعب التونسي وظاهرة التمرّد



بقلم: د. سامي نصر

باحث في علم الاجتماع

لم يعد التمرّد بمختلف أشكاله مجرّد سلوك فردي منعزل، أو مجرّد سلوك ظرفي... بل تحوّل في الفترة الأخيرة إلى ظاهرة اجتماعية هذا إن لم نقل عقلية وثقافة، فكل شيء قابل للتمرّد عليه وكل فرد يمارسه تمرّده حسب امكانياته وحسب ما هو متاح له، ومن بين أشكال التمرّد نذكر:

Ø    تمرّد على العائلة،

Ø    تمرّد على المؤسسات التعليمية،

Ø    تمرّد في الشغل،

Ø    تمرّد على منظومة القيم،

Ø    تمرّد على السلط الجهويّة والمحلّية،

Ø    تمرّد على الدولة وقراراتها، ولعل أبرزها تمرّد على البروتوكول الصحي وعلى قرارات الحجر الصحي الشامل أو الموجه...

ظاهرة خطيرة يستوجب التوقف عليها، إذ لا نبالغ في القول بأن كل طرف بإمكانه الوصول للحكم ولكن لا طرف قادرا على ترويض الشعب التونسي وحكمه، ويبدو أننا لم نعد نعاني فقط من أزمة الحاكم بل وأيضا أزمة محكوم.

ومن بين أهم أسباب ومغذيات ظاهرة التمرّد أو عقلية التمرّد نذكر:

Ø    سياسة الشيطنة والشيطنة المضادة،

Ø    سياسة النقمة والنقمة المضادة،

Ø    سياسة التخوين والتخوين المضاد،

Ø    سياسة الاتهام والاتهام المضاد...

كل تلك السياسات التي يتم استعمالها اليوم من قبل كل الفاعلين والقوى المؤثرة في المشهد السياسي والاجتماعي خلقت لدى المواطن النقمة على كل شيء والرغبة في التمرّد على كل شيء، إضافة طبعا لحزمة الأزمات التي تمرّ بها البلاد مثل الازمة الاقتصادية والاجتماعية والقيمية والاتصالية... فمتى نستفيق من غفلتنا؟

 

تعريف مصطلح التمرد

تعود جذور كلمة تمرد إلى المفردة اللاتينية (insurrectio)، وتعني السهم، يعرف التمرد باللغة الإنكليزية باسم (Insurgency)، وباللغة الفرنسية باسم (Insurrection)، حيث عرفت موسوعة لاروس الفرنسية مصطلح التمرد بأنه: "العمل الذي تقوم به مجموعة معارضة ضد السلطة القائمة بهدف القضاء عليها".

عرّف القاموس السياسي الفرنسي التمرد بأنه: "انتفاضة مسلحة تقوم بها مجموعة من الناس ضد الحكومة القائمة بهدف القضاء عليها، ويحصل التمرد عادةً ضد الحكومة، ضد الاحتلال، ضد النظام الدكتاتوري".

كما عرف قاموس فوكابيلير البريطاني التمرد على أنه: "قيام حركة بالإطاحة بالحكومة القائمة من خلال استخدام التخريب والصراع المسلح".

اعترف الدستور الفرنسي الذي صدر في أعقاب الثورة الفرنسية عام 1793 بشرعية التمرد، وكما نصت مادته الخامسة والثلاثين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواطن بما يلي: "عندما تنتهك الحكومة حقوق الشعب، فالتمرد يصبح حقاً من حقوق الشعب سواء كله أو جزءاً منه، وهو يعد من أقدس الحقوق ولا يمكن حرمان الشعب من هذا الحق".

عرفت اتفاقية جنيف الثالثة المتمردين تحت عنوان "القوات غير النظامية"، بأنهم: "أعضاء المليشيات الأخرى وأعضاء الوحدات المتطوعة الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة الذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً بما في ذلك حركات المقاومة المنظمة ".

بدورها عرفت وزارة الدفاع الأمريكية (DOD) التمرد باعتباره: "حركة منظمة تهدف إلى الإطاحة بالحكومة التي تشكلت من خلال استخدام التخريب والصراع المسلح".

الفرق بين مصطلحي التمرد والثورة

يعد التمرد حسب قاموس مريام (merriam webster) حرباً غير نظامية، على الرغم من أن له نفس أهداف الثورة المنظمة في القضاء على الحكومة والحلول مكانها، حيث تقوم الثورة عادة في الجيش النظامي التابع للدولة.

حيث يقال للضباط والجنود الذين يصرحون بمعارضتهم لقرارات قيادة الجيش ويسعون للقضاء عليها تمرد وإذا نجح هذا التمرد في الوصول إلى السلطة يصبح انقلاباً عسكرياً، في حين أن التمرد يحصل في مناطق نائية تكون فيها سيطرة الدولة ضعيفة (التمرد الذي حصل في ولاية الشرقية المصرية ضد الوالي العثماني في مصر خاير بك في القرن السادس عشر)، ويستمد التمرد قوته عادة في المناطق الريفية على اعتبار أن الخدمات أقل مما هي عليه في المدن، حيث تعمل الحركة التي تقوم بالتمرد بكسب تأييد الناس وتعاطفهم مع مطالبها.

كما يمكن أن يستند التمرد على الهوية العرقية أو الدينية، كما قد تكون جذوره سياسية أساساً أو اقتصادية، وعادةً ما يكون التمرد أقل قوة لمواجهة الجيش النظامي للدولة، لذلك يلجأ عناصر التمرد الذين يطلق عليهم "المتمردون" بالعديد من الأساليب للضغط على الحكومة، منها: التفجير، الخطف، أخذ الرهائن.. إلخ.

ثغرات أيزنستات.. ضعف الدولة يقود إلى التمرد

يقول المحامي والدبلوماسي الأمريكي ستيوارت أيزنستات إن التمرد ينمو بسبب وجود ثغرات في عمل الحكومة، لذلك على الحكومة سد هذه الثغرات، وهي وفق ما أوردها في كتابه "إعادة بناء الدول الضعيفة" " Rebuilding Weak States " الصادر في عام 2005:

  • الأمن، فعلى الدولة توفير الأمن لمواطنيها وحماية حدودها من اختراق المجموعات المسلحة، وإذا لم تنجح الدولة في ذلك فستستغل الجماعات المتمردة ذلك وتستخدم العنف ضد المواطنين، كما حصل في كل من هايتي في عام 2004، نيبال في عام 1996، الصومال في عام 1988.
  • قدرة الدولة على توفير احتياجات المواطنين، يجب أن تؤمن الدولة للمواطنين احتياجات البقاء على قيد الحياة من مياه، طاقة كهربائية، المواد الغذائية، الأدوية، التعليم، الاتصالات، نظام اقتصادي يعتمد على كل فئات المجتمع ويستثمر كل الموارد، وفشل الدولة في تأمين هذه المتطلبات يخلق لديها فجوة يمكن أن تؤدي إلى فقدان ثقة المواطنين بها، بالتالي تفتح الباب أمام التمرد على الحكومة كما حصل في كل من أفغانستان في عام 2015، جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1996، على سبيل المثال.
  • الشرعية، سد فجوة الشرعية هي أكثر من مجرد ديمقراطية وانتخابات، بل هي قبول المحكومين بوجود الحكومة في السلطة وقبولهم بقراراتها، لكن إذا كانت الحكومة تعاني من تفشي الفساد، وخلل في النظام القضائي، واختراق حقوق الإنسان، فهذه الأسباب تجعل الناس يتمردون على الحكومة.

فإذا تمكنت الحكومة من سد هذه الثغرات فلن يكون للتمرد أي مبرر، وتفقد الجماعات المتمردة البيئة الشعبية الحاضنة، بالتالي يصبح أمامها خيارين إما التخلي عن تمردها أو الدخول في صدام مع الحكومة وستكون هي غالباً الخاسرة فيه. كلام أيزنستات.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...