https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

jeudi 18 novembre 2021

سوسيولوجيا جرائم الاتجار بالبشر

 

سوسيولوجيا جرائم الاتجار بالبشر



د.سامي نصر

باحث في علم الاجتماع

-I- قراءة سوسيولوجية في جريمة الاتجار بالبشر

تعد جرائم الاتجار بالبشر من أكثر الجرائم خطورة وتعقيدا وصعوبة عند محاولة دراستها من وجهة نظر علم الاجتماع الإجرامي، الشيء الذي جعلنا نعتبرها ضمن ما يمكن أن نسميها بـــــــ"الجرائم الزئبقية"، بمعنى جرائم يمكن معاينتها ومتابعتها ولكن لا يمكن الاقتراب منها كثيرا والتحكّم فيها بالأليات التقليدية المعتادة، وفي هذا الإطار نتحدّث عن الخصائص الثلاث للجريمة: خاصية النسبية + خاصية الطبيعية + خاصية الوظيفية.

ـ"أ"ـ خاصية النسبية:

       الصفة الإنحرافية أو الإجرامية تختلف من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر. ومن أهم ما يميز كل مجتمع هو لائحة جرائمه الخاصة التي تتصف بالنسبية.

         خاصية النسبية لا تنطبق على صنفين من الجرائم:

§       الجرائم ضد الإنسانية

§       الجرائم العابرة للقارات

         جرائم الاتجار بالبشر هي في نفس الوقت جرائم ضد الإنسانية + وجرائم عابرة للقارات

  -"ب"-خاصية العادية أو الطبيعية:

       يعتبر "Durkheim" مثلا أن الجريمة ظاهرة مرضية ولكنها طبيعية بحكم تزامنها مع وجود المجتمع وكل نسق اجتماعي، إضافة إلى أن وجودها نادرا ما يؤثر على اشتغال وظائف الكل ويعيق تماسكها وتوازنها: "لأن المجتمع يستطيع امتصاص كمية كبيرة من الإنحراف دون تأثير يذكر"[1] ولا يعتبرها (الظاهرة الإجرامية) "Durkheim" ظاهرة طبيعية وعادية فحسب وإنما هي ظاهرة متوقعة...

         خاصية العادية أو الطبيعية، أو عدم تأثيرها على النسق العام لا تنطبق على جرائم الاتجار بالبشر، كما أن ممارسة هذه الجرائم من شأنها أن تدمّر المجتمع بأكمله، وذلك لعدة أسباب نذكر منها:

على مستوى الجاني:

ü    مرتكبي هذا النمط الاجرامي ليسوا من صنف المجرمين العاديين (أفراد أو جماعات)، لأنّهم عادة يعدون:

قوة فاعلة اقتصاديا،

قوة فاعلة اجتماعيا،

قوة فاعلة سياسيّا،          "ماكينة" قوية ومؤثرة+ متحكّمة بآليات اشتغال المجتمع

قوة فاعلة إعلاميّا.

ü    التمعش من الأزمات والأوضاع الاجتماعية الهشّة، حيث يصبح الجاني يراهن ويشتغل ويستهدف المحافظة على تأزّم الأوضاع بل المزيد من الأزمات والهشاشة لضمان تحقيق مكاسب أكثر...

على مستوى الضحية:

ü    جرائم الاتجار بالبشر تمس بشكل مباشر الركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع وتقوم عليها إنسانية الإنسان، وتنسف بشكل كلي مكاسب حققتها الإنسانية عبر العصور، والتي ترجمت في شكل قوانين (وتضمنتها دساتير) واتفاقيات ومعاهدات دولية وإقليمية، مثل:

§       حقوق وعقود شغلية واتفاقيات ومبادئ تم الاعتراف بها دوليا ووطنيا... يمكن أن تنسف

§       إنسانية الانسان.....  يمكن أن تدمّر

§       هيمنة اللاشكلي على الشكلي والقطاعات الموازية... دولة يمكن أن تنهار

 

ـ"ج"ـ خاصية الوظيفية:

تؤكد هذه الخاصية على أن للإنحراف أو الإجرام بعض الوظائف الإجتماعية، والتي تؤدي في النهاية إلى تدعيم النسق الإجتماعي بالطرق التالية:

* يساعد الإنحراف والاجرام في بعض الأحيان على توضيح القواعد والمعايير الاجتماعية وتعريفها للأعضاء غير المنحرفين من الجماعة[2].

* يزيد الإنحراف والاجرام من تماسك الجماعة، عن طريق الإدانة الجماعية والرد الفعل الجماعي.

         هذه الخاصية يمكن أن تنطبق على جرائم الاتجار بالبشر في حالتين:

أوّلا، محدودية انتشار هذا النمط الاجرامي،

ثانيا، تضافر كل الجهود للإدانة والتشهير بمرتكبي جرائم الاتجار بالبشر (اعلام+ مجتمع مدني+ أجهزة الدولة...).

        تضافر الجهود والتشهير= سلاح ذو حدين:

من جهة أولى، تسليط الضوء على حادثة معينة تتعلّق بالاتجار بالبشر + ضجة إعلامية (حادثة الرقاب مثلا):

 من شأنها أن تساعد على خلق رأي عام مناهض لهذا الصنف من الجرائم،

من شأنها أن تدفع إلى العمل على وضع استراتيجية وطنية لمناهض هذا الصنف من الجرائم.

من جهة ثانية، قد تحدث الضجة الإعلامية والتشهير مفعولا معاكسا خاصة عندما نقع في فخ نظرية "التشبّع الإعلامي"= ظاهرة التطبيع مع الجريمة

نشر الحادثة + ثقافة اليأس والإحباط= الشعور بالهزيمة

نشر الحادثة + ثقافة الأمل = الشعور بمكانية الانتصار+ القدرة على مجابهة الجريمة

        على المستوى السوسيولوجي، القضية هي قضية رسالة إعلامية وليست قضية "بوز" وضجة إعلامية =ضجة من أجل الضجة

اليوم نحن في حاجة إلى إعادة النظر في نموذج عالم الاجتماع الإعلامي "لازوال" والتي تعرف بنظرية =5W The

ماذا حدث؟

أين حدث؟

متى حدث؟

كيف حدث؟

لماذا حدث؟

        لابد من إضافة سؤال سادس يوجّه بقية الأسئلة الخمسة وهو "لماذا أنشر ما حدث؟"= الرسالة الإعلامية

          إضافة هذا السؤال هو الذي يجعلنا نتحدّث عن أهم عنصر نفتقده اليوم وهو "الاستراتيجية الاتصالية والإعلامية لمناهضة جرائم الاتجار بالبشر".  

 

-II- العقوبة القانونية والمجتمعية:

القاعدة العامة= كل جريمة ترافقها عقوبة قانونية+ اشمئزاز واستنكار اجتماعي

-أ- عقوبة قانونية:

ü    تحتاج لنصوص قانونية وتشريعات،

ü    الانفلات من العقوبة القانونية يحتاج لمجهود شخصي من المجرم:

§       حنكة وخبرة في كيفية ارتكاب الجريمة،

§       حنكة وخبرة في إخفاء البعد الاجرامي،

-ب- اشمئزاز واستنكار اجتماعي  :

ü    تحتاج لحملات تحسيسية ووعي اجتماعي،

ü    الانفلات من الاشمئزاز والاستنكار الاجتماعي يحتاج إلى مجهود كبير يقوم به مرتكبي جرائم الاتجار بالبشر:

§       البحث عن غطاء شرعي للتستر،

§       القيام بأعمال خيرية لتحسين صورة واخفاء صورة،

§       خلق ثقافة التقبّل والتطبيع مع هذا النمط الاجرامي،

§       خلق ثقافة اللامبالاة،

§       قتل الإحساس،

§       تغذية الفردانية المفرطة،

§       خلق وافتعال احداث لتحويل وجهة الأزمة أو الضجة

         التصدي لجرائم الاتجار بالبشر لا يجب أن تقتصر على مجرّد نشر إحصائيات وأرقام، وعقد ندوات صحفية وحضور اعلامي... بل لا بد من أن يرافق كل ذلك العمل على مستوين:    

أولا، على المستوى القانوني:

ü    ضغط على الجهات المعنية والمبادرة بسن القوانين والتشريعات المناسبة لخطورة جريمة الاتجار بالبشر،

ü    تجريم ما يجب تجريمه...   

 ثانيا، على المستوى الاشمئزازي والاستنكار الاجتماعي: 

ü    القيام بحملات تحسيسية ممنهجة ومستمرة لا تقف مع اختفاء وقع بعض الجرائم المرتكبة،

ü    كشف وفضح آليات ارتكاب الجريمة وآليات الاخفاء المعتمدة،

ü    نشر ثقافة الأمل والتحسيس بالقدرة على مجابهة هذا النمط الاجرامي،

ü    عدم تبسيط ما يتم ارتكابه من جرائم...   

 

-ج- مقولة سوسيولوجية محورية: "نحن لا نستنكر عملا لأنه جرمي ، وإنما هو جرمي لأننا نستنكره"

السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هو ما هو الفرق:

بين استنكار الفعل لأنه جرمي؟

وبين وصفه بالجرمي لأننا نستنكره؟

(1) أسبقية التجريم على الاستنكار الاجتماعي:

ü    صعوبة تطبيق القوانين= قوانين لا تفعّل،

ü    الانتشار + والعود (تكرار ارتكاب الجريمة)،

ü    سند سلطوي بحت لا يرافقه سند شعبي واجتماعي،

ü    لا يضمن تغيير العقليات، بل بالعكس قد يفتح المجال لثقافات مضادة،

إدانة للمدافعين عن حقوق الضحايا...

ü    الردع إن حصل فهو ردع منقوص،

ü    تصبح غاية النصوص القانونية ليست معالجة الظاهرة الاجرامية، بل كسب مواقع متميزة على المستوى الدولي وفي التقارير الدولي...

ü    فتح المجال لتبريرات ارتكاب الجريمة، بل قد تتحوّل وجهة الإدانة:

ادانة للضحية عوض إدانة الجاني،

إدانة للقضاء،

إدانة للأمن،                                 = محاولة قلب المعادلة (حادثة الرقاب)

إدانة للإعلام، 

                              

(2) أسبقية الاستنكار الاجتماعي على التجريم القانوني:

ü    ضمان تطبيق القانون،

ü    ضمان ردع مكتمل غير منقوص،

ü    خلق رأي عام وثقافة مناهضة لجرائم الاتجار بالبشر،

ü    ضمان المناعة الاجتماعية،

ü    ضمان عدم التكرار والحد من الانتشار،

ü    ضمان السند السلطوي والاجتماعي (الشعبي)،

ü    ضمان أريحية عمل كل السلط المناط على عهدتها مناهضة هذا الصنف من الجرائم الخطيرة... (قضاء، أمن، إعلام، مجتمع مدني...)

 

-III- المسكوت عنه في جرائم الاتجار بالبشر:

-أ- عندما يتحوّل الإنسان إلى بضاعة:

الاتجار بالبشر في مفهومه المبسّط والواقعي هو عبارة عن عملية "تحوّل الانسان إلى مجرّد بضاعة" (حوّل نفسه إلى بضاعة أو تم تحويله من قبل الغير إلى بضاعة):

حوّل نفسه بمفعول:

الطمع،

الحصول على المال،               لا نتحدث عنها أو نتحدث عنها بحذر

الحصول على امتيازات...

 

تم تحويله من قبل الغير إلى بضاعة:

القهر،

التهديد،                         نتحدث عنه بتلقائية ودون حرج

التحيّل والخداع...

 

     الانسان= بضاعة، يعني:

o      بيع وشراء،

o      إمكانية تنقل الملكية،

o      "حق" التصرّف والاستغلال،

o      مدّة صلاحية البضاعة،

o      قيمة البضاعة يحددها قانون السوق..

  هناك فئات أو أصناف من الممارسات التي تقترب كثيرا من جرائم الاتجار بالبشر، وأصناف ينطبق عليها هذا التعريف ، وكذلك ينطبق عليها التعريف الوارد في الاتفاقيات الدولية، ومع ذلك لا يتم ادراجها ضمن جرائم وممارسات الاتجار بالبشر أو حتى مجرّد التفكير فيها... وكأن كل من الجاني و"الضحية" له من الحصانة ما تجعله بعيدا عن تسليط الأضواء.

-ب- أمثلة ونماذج من الممارسات التي قد تندرج ضمن جرائم الاتجار بالبشر:

(1) في عالم الرياضة، اللاعب يتحوّل إلى بضاعة:

ü    بيع/ شراء/ مدة صلاحية،

ü    بضاعة خاضعة لقانون العرض والطلب،

ü    الوسيلة التي يتم عبرها تحويل اللاعب إلى بضاعة مذكورة في التعريف الدولي "تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو .... أو بإعطاء أو تلقي مبالغ مالية أو مزايا..."

ü    الهدف أو الغرض من الاستغلال مذكور كذلك في التعريف الدولي،

ü    تنقّل الملكية.

(2) في عالم النخب الفكرية، تحوّل البعض منهم إلى عبارة عن بضاعة:

ü    بضاعة لا تتعلّق بجسده أو أعضاء جسمه بل بأفكاره وتصريحاته،

ü    يفقد (عبر تموقعه كبضاعة) إنسانيته وذاته،

ü    استغلاله من أجل:

o      تحقيق مصالح غيره،

o      محاربة خصوم غيره،

o      التستّر أو إعطاء شرعية لممارسات غيره...

       منافسة من أجل الحصول على تلك البضاعة

      ظاهرة ليست حديثة بل متجذرت تاريخيا ومنتشرة في مختلف دول العالم، (العمالة الفكرية والثقافية على المستوى الداخلي أو الخارجي).

(3) في عالم النخب السياسية، نفس الشيء ونفس التشخيص بالنسبة للمتاجرة بالنخب الفكرية والإعلامية و"الكرونيكور"...

نحن نستعمل عادة عبارة لطيفة حين تناول هذه الظاهرة وهي عبارة "السياحة الحزبية"، ولكن في جوهرها تلامس في الكثير من الأحيان ظاهرة الاتجار بالبشر وتحوّل السياسي إلى بضاعة بكل ما تحتويه كلمة بضاعة من معنى.

-ج- دوافع انتشار وتفاقم هذا الصنف من الاتجار بالبشر (المسكوت عنه): 04 دوافع:

أوّلا، على مستوى الظاهرة:

زئبقية الظاهرة، بمعنى سهلة في المعاينة وصعبة في الاقتراب والادانة،

ثانيا، على مستوى الجاني:

ü    يمثل الجاني قوة مؤثرة ومتحكمة في المشهد السياسي والإعلامي،

ü    إحكام سيطرته على المجال اللاشكلي،

ثالثا، على مستوى الضحية:

ü    رفض الاعتراف العلني بكونه ضحية رغم احساسه بذلك،

ü    قدرته التأثيرية،

ü    امتلاكه لوسائل دفاعية قوية.

رابعا، على مستوى المناخ العام:

ü    هناك عملية تقبّل لهذه الممارسات ان لم نقل تطبيع مع الظاهرة رغم خطورتها،

ü    تبسيط الظاهرة، الرفض يكون عادة في شكل نكت تهكمية فقط وتقف عند ذلك الحد،

ü    هناك أنصار ومؤيدين ومعجبين يمكن تجنيدهم ضد كل من يحاول فتح هطا الملف،

ü    تفاعل سلبي مع مصطلحات وعبارات خطيرة مثلا:

(1) عبارات تتعلّق بــــــ"بيع وشراء نواب"، بمعنى النائب المنتخب تحوّل إلى بضاعة...

(2) تصريحات البحري الجلاصي حول شراء النواب....

 

(3) تصريح شفيق جراية حين قال بأنه عمل اتفاقية مع كمال لطيف وتم الاتفاق على أن "كل واحد فينا يشد كلابو"... الجميع يدرك أن من وصفهم بــ "الكلاب" هم فئة من النخب الفكرية والسياسية والإعلامية.

(4) تصريح لإحدى مؤسسي حزب ناشئ يحمل شعار تجميع العائلة الوسطية حيث قالت صراحة بأن هذا الحزب هو عبارة عن "حانوت كبير سيجمع كل الحوانيت"   

لا يجب قراءة هذه العبارات كمجرد تصريحات ضمن صراعات حزبية بل كجريمة اتجار بالبشر أو الإيهام بجريمة

كلاهما جريمة (التصريح بما هو موجود أو الإيهام بوجوده) تستوجب فتح تحقيق جدي وإدانة قانونية ومجتمعية.

الخطاب السياسي والإعلامي اليوم أصبح يغذي ويشجّع عقلية المتاجرة بالبشر.

 



[1] د. سلامة غباري :" الإنحراف الإجتماعي ورعاية المنحرفين ودور الخدمة الإجتماعية معهم" المكتب الجامعي الحديث، محطة الرمل الإسكندرية  1989ص 26

 

[2] نفس المصدر ص 31

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...