https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

mardi 23 novembre 2021

محاولة في سوسيولوجيا السعادة: جوانب مسكوت عنها في الوضع التونسي

 

محاولة في سوسيولوجيا السعادة:

 جوانب مسكوت عنها في الوضع التونسي



بقلم الد. سامي نصر

باحث في علم الاجتماع

الاكتئاب والتعاسة كظاهرة اجتماعية

الاكتئاب أو التعاسة ظاهرة اجتماعية معقدة لا يمكن تناولها بمعزل عن الظواهر الاجتماعية الأخرى سواء المتسببة منها في الاكتئاب أو الظواهر الاجتماعية التي يفرزها الاكتئاب، وتتميّز بالعديد من الخصوصيات مثلا:

ü    يمكن اعتبارها من بين الظواهر الاجتماعية الطبيعية، كما يمكن اعتبارها من بين الظواهر المرضية،

ü    يمكن اعتبارها ظاهرة تلقائية تفرزها أوضاع اجتماعية معينة، كما يمكن اعتبارها من بين الظواهر الاجتماعية المفتعلة والمصطنعة (فن صناعة اكتئاب الشعوب)،

ü    ظاهرة تحتاج فعلا للدراسة ولكن دراستها قد تكون إحدى أهم دوافع انتشارها وتجذرها (من الصعب دراستها كميّا وإحصائيا رغم تعدد الإحصائيات حولها)

ü    ظاهرة نشعر بها ونحس بها ولكن التعبير عنها يختلف من شخص لآخر، ومن فترة زمنية لأخرى، ومن مجتمع لآخر (قتل الوقت عند الألمان واليابانيين تختلف...)

    الاكتئاب أو التعاسة ظاهرة اجتماعية تتحكم فيها قوتين:

Ø    قوى الدفع: مغذيات، مثل

§       ثقافة اليأس

§       ثقافة الإحباط

§       ثقافة الألم

§       ثقافة التشكي والتباكي...

Ø    قوى جذب: هي عبارة عن مناعة ضد الاكتئاب نذكر منها:

§       ثقافة الأمل

§       الثقة بالنفس

§       الحلم بغد أفضل

الأسباب والمغذيات:

للاكتئاب  أو التعاسة مجموعة من الأسباب نلخصها فيما يلي:

ü    الفشل مفاجئ غير منتظر: مثل رسوب الطالب في الامتحان أو فشل شاب أو شابة في الحب أو الزواج، أو عدم الحصول علي الوظيفة بعد عناء الدراسة.

ü    الإحساس بالنبذ أو أنه غير مرغوب فيه، أو الإحساس بالغربة

ü    ضبابية الأهداف التي يراد تحقيقها في الحياة، فعندما تتوقف الأهداف ويعجز الشخص عن تحديدها فإنه يصاب بالاكتئاب، وكأن الحياة قد توقفت،

ü    الحاجة إلي الآخرين (ثقافة التشكي والتباكي)، وخاصة إذا جاء بعد العز والمنعة، (رخّص روحو أكثر من اللازم)،

ü    الإحساس بوطأة المشكلات الحضارية سواء كانت مشكلات بيئية أم مشكلات عالمية إنسانية تتعلق بمستقبل البشرية كلها، ومثل هذا الإحساس يقع للمفكرين والفلاسفة وأصحاب الرأي والمشاركين في مسيرة الحضارة حين يجد الواحد منهم أن الطريق إلى الحرية أو الرخاء أو القضاء على العنصرية أو سيادة الأمن موصد أمامه فيصيبه الاكتئاب،

ü    التناقض بين الطموحات والأحلام وبين الواقع، فيتحول هذا التناقض إلي صراع قد يدفع الشاب إلي الاكتئاب

ü    خيبة أمل تجاه انتظارات كبيرة

علاقة الثورة بالاكتئاب أو التعاسة

1.   تغيرات فجئية وجذرية تحدث “اختلالا في التوازن الاجتماعي للمجتمع”، أكدت كل الدراسات في علم الاجتماع السياسي التي درست المجتمعات بعد قيامها بثورة أو انتفاضة كبيرة بروز ظواهر اجتماعية مرضية أو تفاقم لظواهر موجودة، والتي تكون عادة نتيجة التغيرات الفجئية والجذرية التي تعرفها تلك المجتمعات”، و”إحداث تغييرات أو تعديلات في نمط حياته”، مما يحدث “اختلالا في التوازن الاجتماعي للمجتمع”... وكل هذا تعيشه تونس اليوم خاصة وأن ثورة 17 ديسمبر لم تحركها النخب السياسية والفكرية، بل تفجرت في شكل انتفاضة وتحركات احتجاجية للمناطق والفئات الاجتماعية المهمشة، ثم بعد ذلك وظفتها نخب سياسية وجنى ثمارها أصحاب رؤوس الأموال والذين أصبحوا بسرعة البرق يتحكمون ويسيطرون على المشهد السياسي والإعلامي بالبلاد.

2.    صعوبة أو استحالة الاندماج الاجتماعي، فمن قام بــ”الثورة” ومن ساندها ومن تمنى مساندتها وجد نفسه اليوم غريبا عن المجتمع الذي يعيش فيه وأصبحت عملية الاندماج الاجتماعي” تكاد تكون مقتصرة على فئات معينة وبشكل وقتيّ... وفي هذا المناخ الاجتماعي برزت على الساحة ظواهر اجتماعية لا تختلف فيما بينها من حيث درجة الخطورة نذكر منها الانتحار، والجرائم العنفية بمختلف أشكالها أهمها جرائم القتل، مغامرات الموت (الحرقان)، ارتفاع الجرائم الإرهابية...

3.   ضعف المناعة القِيَمِيَّة والاجتماعية، كل هذا ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في “القضاء على مناعتهم القِيَمِيَّة والأخلاقية” و”انكسار معايير الجماعة التي من شانها أن تضبط الحياة الاجتماعية”.

4.   نخب تنتج وتغذي الاكتئاب والتعاسة، من الضروري الإشارة إلى الدور السلبي الذي لعبته النخب الفكرية والسياسية التي كانت شعبوية أكثر من اللازم فعوض اضطلاعها بقيادة المجتمع وتهيئته نفسانيا واجتماعيّا لتقبّل الأزمة الاقتصادية والسياسية التي ترافق كل الثورات تجاهلت كل ذلك وانغمست في العمل السياسي وقبلت لعب الدور الرئيسي في تصفية الحسابات السياسية وتحقيق المصالح الضيّقة لبعض المتنفذين من رجال الأعمال.

5.   خلق ثقافة الاستعجال والآنية (تو تو)، الحقيقة التي تعمدت النخب السياسية والفكرية الحدث عنها ومصارحة الشعب التونسي هي أن كل الثورات لا يجني ثمارها الجيل الذي قام بالثورة بل الأجيال القادمة هي التي تجني الثمار،

6.   حملات ووعود انتخابية مغذية للاكتئاب والتعاسة، ساهمت بشكل كبير الحملات الانتخابية لجل الأحزاب السياسية إن لم نقل كلّها في تغذية حالة الفشل والإحباط التي يعيشها المواطن التونسي والنقمة على الذات التي تحوّلت إلى “آخر” منفصلة عن الفاعل الاجتماعي، ثم تتسع دائرة هذه النقمة لتشمل المحيط الاجتماعي، وحالة اليأس من غد أفضل... حيث جعلت الوعود الانتخابية المواطن التونسي يعيش في عالم من الأحلام الوهمية سرعان ما استفاق من حلمه ليصطدم بواقع مرير فقد فيه القدرة على تحمّل الضغوطات والإكراهات الاجتماعية، واقع انعدم فيه التوافق بين متطلّبات الحياة اليومية وما هو ممكن توفيره...

7.   التهميش، إذا كانت الشرارة الأولى للثورة كانت في شكل رد فعل على حالة الإقصاء والتهميش وعدم تكافؤ الفرص بين المناطق والفئات الاجتماعية، فإن المواطن التونسي اليوم لم يلمس أي مؤشرات لتحقيق المطالب التي من أجلها ثار وانتفض وكسّر هاجس خوفه، حيث انتاب كل من لم يكن على المقاس شعور بخيبة أمل وبخذلان من توسّم فيهم خيرا... هذا الوضع وهذا الشعور من شأنه أن يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في خلق الأرضية الاجتماعية والنفسية لتغذية الظواهر العنفية والظواهر المشابهة لها، وخاصة التعاسة والاكتئاب.

8.   الشيطنة والشيطنة المضادة: أفرزت ثورة 17 ديسمبر أو 14 جانفي بروز حرب بين قوتين ساهم كل منهما في تدمير معنويات الشعب التونسي (نعبّر عنها بالمنظومة القديمة والمنظومة الجديدة):

Ø    قوى الثورة قوى التغيير:

§       تقديم صورة سوداوية للماضي،

§       التركيز فقط على السلبيات،

§       خلق الروح العدوانية والانتقامية تجاه كل من ساهم أو انخرط أو استفاد أو حظي بمكانة في المنظومة القديمة...

Ø    قوى المحافظة على المنظومة القديمة

§       تقديم صورة سوداوية لمن ساهم في الثورة أو دعمها،

§       محاولة طمس أو الاستخفاف بمكاسب الثورة،

§       التركيز الكلي على جوانب الفشل في مرحلة ما بعد الثورة وتضخيمها،

§       توظيف لإحصائيات وطنية وأجنبية لإبراز فشل المرحلة،

§       بعث روح تشاؤمية للمستقبل،

§       محاولة خلق وبعث روح الحنين للماضي وتزيينه...

 

صناعة الاكتئاب والتعاسة

    نموذج من صياغة تقارير حول تونس "تصنيف تونس أولّ بلد صدّر موجة التحرر عربياً والنموذج الأنجح إلى حدّ الساعة في التحول الديمقراطي، بأنه يتصدر المراتب الأولى لأكثر البلدان تعاسة يدلّ على الصعوبات التي ساهمت في عرقلة مسار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث حالت دون تحقيق أهداف الثورة الحاملة لشعارات الحرية والشغل والكرامة.

     برزت الدراسات المتعلّقة بالسعادة والتعاسة في السنوات الأخيرة، ونجحت بشكل كبير في لفت انتباه العديد من وسائل الإعلام والإعلاميين ليجعلوا من نتائجها حدثا إعلاميّا... نذكر منها: 

تقرير لمؤشرات السعادة والرضا بين الشعوب في سبتمبر 2013، والذي أكد أن التونسيين هم الأكثر شعورا بالتعاسة بين شعوب دول المغرب العربي، حيث احلت تونس في ذيل القائمة المغاربية والعربية في التقرير الذي شمل أكثر من 160 دولة في العالم.

تقرير أخر صدر في 2015 يقول أن تونس تتصدر قائمة الدول الأكثر تعاسة في العالم ... رغم أنها كانت تعتبر قصة للنجاح في شمال إفريقيا، خاصة ان بعد ثورة 14 جانفي اصبحت تعاني من عدة من صعوبات...

أصدر معهد الأرض التابع لجامعة كولومبيا الأميركية، "مؤشر السعادة لعام 2016 شمل 157 دولة... ليؤكد أن تونس تحصلت على المركز 12 عربياً و98 عالمياً، وتزامن صدور التقرير مع الاحتفال بعيد الاستقلال 20 مارس 2017، وحسب التقرير

§       احتلت ليبيا المركز 7 عربياً و67 عالمياً،

§       والصومال في المركز 8 عربياً و76 عالمياً،

§       الأردن في المركز 9 عربياً و80 عالمياً،

§        المغرب في المركز 10 عربياً و90 عالمياً،

§        لبنان في المركز 11 عربياً و93 عالمياً.

§       تونس احتلّت المركز 12 عربياً و98 عالمياً

علاقة السعادة بالتنمية:

لا يجب النظر للسعادة كمجرد عنصر مكمل للتنمية أو ثمرة من ثمار التنمية، بل الركيزة الأساسية للتنمية في مختلف مستوياتها:

(1)           على المستوى العائلي: جل المشاكل الأسرية هي نتاج مباشر لغياب السعادة:

-أ- توتر العلاقات:

§       بين الزوجين،

§       مع الأبناء،

§       مع الحيران،

§       مع العائلة الموسعة...

-ب- الطلاق:

§       طلاق فعلي،

§       طلاق عاطفي...

-ج- انحراف الأطفال:

§       عنف،

§       إجرام،

§       مخدرات،

§       مغادرة مقاعد الدراسة...

(2)           على المستوى المحيطي: جيران، حي، جهة، بيئة...

§       علاقة صراع وعدائية مع البشر المحيطون بنا،

§       علاقة عدائية ولامبالاة مع البيئة= تلوث،

§       غياب الشعور بالأمن والأمان...

(3)           على المستوى الاجتماعي:

§       ارتفاع نمو الجريمة،

§       ارتفاع منسوب العنف،

§       ارتفاع معدلات الانتحار،

§       تدهور منظومة القيم...

(4)           على المستوى الاقتصادي والخدماتي:

§       الكسل عند القيام بالعمل،

§       كثرة الغيابات والتمارض،

§       ضعف المردودية،

§       كثرة الاحتجاجات،

§       تدهور العلاقات الشغلية،

§       تعمد إلحاق الأضرار بالمؤسسة

= تدهور اقتصادي وخدماتي...

(5)           على المستوى السياسي:

§       أزمة ثقة،

§       شيطنة السياسيين،

§       عزوف عن العمل السياسي + الانتخابات...

(6)           على المستوى التعليمي والدراسي:

§       فشل دراسي،

§       انقطاع مبكر عن الدراسة،

§       توتر العلاقات في الفضاء المدرسي:

تلميذ، مربي، ولي، إدارة

معيقات السعادة

من أهم معيقات السعادة نجد:

(1)            انتشار الثقافات المدمرة للإنسان مثل:

§       ثقافة الألم،

§       ثقافة اليأس والإحباط،

§       ثقافة الفشل،

§       ثقافة الخوف.

(2)            انتشار الفوبيا الاجتماعية أو المجتمعية:

§       فوبيا المستقبل،

§       فوبيا الإرهاب،

§       فوبيا التقلبات الجوية...

§       فوبيا السعادة والفرح.

(3)            غياب سياسة اتصالية ناجحة (حكومية، مؤسساتية، حزبية...)

(4)            هيمنة عقلية وسياسة "الإدارة بالأزمة" عوض "إدارة الأزمة".

(5)            حصر السعادة فيما لا نملكه وعدم تثمين قيمة ما نملك.

 

متى يكون الإنسان سعيدا؟

يكون الإنسان سعيدا في الحالات التالية:

Ø    عندما تتوفر شروط ومؤشرات السعادة + الإحساس بها،

Ø    عندما يعمل على توفير شروط ومؤشرات السعادة + الاقتناع المسبق بالنجاح وبلوغ الهدف،

Ø    عندما يلمس مؤشرات توفرها،

Ø    عندما يدرك قيمة ما يملكه "أحيانا السعادة لا تكمن في الحصول على ما لا نملك بقدر ما تكمن في معرفة قيمة ما نملك"،

Ø    عندما تكون هناك علاقة حب مع العمل الذي نقوم به،

Ø    عندما تتوفر علاقة الثقة المتبادلة مع من يشاركنا العمل أو الحياة الاجتماعية، 

Ø    عندما يشعر الإنسان بالأمن والاستقرار،

Ø    عندما يؤمن الإنسان أن السعادة نحن من نصنعها ولا تصنع ولا تهدى لنا،

Ø    عندما يشعر الإنسان بتكافؤ الفرص.

ماذا نفعل لخلق ثقافة السعادة؟

(1)            عقد دورات تدريبية وورشات عمل حول دور وأهمية عقلية وثقافة السعادة تستهدف مختلف الفاعلين الاجتماعيين في المجتمع التونسي:

§       مربين

§       أولياء

§       أطفال

§       إعلاميين

§       مؤسسات (عمومية وخاصة)

§       أحزاب (في الحكم أو المعارضة)

§       جمعيات...

(2)            عقد اتفاقيات تعاون وشراكة مع بعض وسائل الإعلام (عمومية وخاصة) لخلق ثقافة السعادة وذلك عبر:

§       برنامج قار،

§       إقحام مسألة السعادة ضمن مواضيع برامج قارة،

§       الوصول إلى صياغة ميثاق شرف يستهدف خلق ونشر ثقافة السعادة.

(3)            عقد اتفاقيات تعاون وشراكة مع وزارة التربية لبعث نوادي صلب المؤسسات التربوية تعنى بمسألة السعادة يشارك فيها:

§       التلميذ

§       المربي

§       الولي

§       الإدارة

(4)            عقد اتفاقيات تعاون وشراكة مع دور الشباب والثقافة قصد تكوين الشباب ينظر للواقع وللمستقبل برؤية تفاؤلية وتكوين مدربين في الغرض من الفئات الشبابية.

(5)            عقد دورات تكوينية للمكلفين بالإعلام والاتصال في المؤسسات العمومية والخاصة حول دور الاتصالي في بعث ثقافة السعادة والأمل.

(6)            عقد جلسات عمل مع المكلفين بالإعلام والاتصال في الأحزاب السياسية وبعض قياداتها يستهدف من وراءها:

§       بعث الأمل

§       الابتعاد عن خطاب الشيطنة والشيطنة المضادة

§       التصدي لظاهرة العزوف عن العمل السياسي

§       معالجة أزمة الثقة...

(7)            عقد اتفاقيات تعاون وشراكة مع بعض الجمعيات

(8)            استثمار الفضاء الافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي لخلق ثقافة السعادة، وخلق فاعلين اجتماعيين في الغرض.

(9)            القيام بدراسة ميدانية شاملة حول مسألة السعادة في تونس:

§       تشخيص الوضع

§       تحديد ماذا يسعد التونسي

§       تحديد ماذا يحبطه

(10)      محاولة تكوين مرصد قار لمتابعة السعادة في تونس، ونشر تقارير دورية مرفقة بتوصيات.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...