https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

vendredi 30 avril 2021

انفجار اجتماعي قادم برعاية الحكومة التونسية

 


انفجار اجتماعي قادم برعاية الحكومة التونسية:

يبدو أن الحكومة بصدد الدفع وبقوة نحو انفجار اجتماعي سينطلق من صلب المؤسسات والمنشآت العمومية والوظيفة العمومية، سيكون نتاجا لسياسة عدم تكافؤ الفرص بين الاختصاصات الوظيفية، الشيء الذي خلق لوبيات صلب الوظيفة العمومية تتحكم في الادارة والتسيير وأخذ القرار... وتهميش وتجميد كل من لم يكن على قالب تلك اللوبيات

بالأمس القريب سياسة عدم تكافؤ الفرص بين الجهات فجرت ثورة 17 ديسمبر و14 جانفي.. واليوم نفس السياسة والعقلية أصبحت تتحكم في الوظيفة العمومية... عاصفة وانفجار اجتماعي متوقع

Sami Nasr sociologue

الحكومة وعقلية عدم تكافؤ الفرص

 


بين أعوان المالية والمهندسين تتخلص الوضعية الكاريكاتورية للبلاد

يبدو أن الحكومة تدير شؤون البلاد بعقلية هذا فرض وهذا سنة، أو بعقلية عدم تكافؤ الفرص بين الموظفين، إذ قررت الحكومة الاستجابة لمطالب المهندسين والحصول على تلك  المنحة الخصوصية على جميع مهندسي المؤسسات والمنشاَت العمومية دون استثناء طبقا لمحضر جلسة 16 فيفري 2021 وفي نفس اليوم تقرر التخفيض من منحة المراقبة والاستخلاص لأعوان المالية بنسبة 15%... لا نعلم الحكومة بصدد ادارة ازمة أم بصدد خلق ازمات؟ 

يبدو أن الوقت حان لتتحرك الفئات المهمشة

jeudi 29 avril 2021

انت من تحدد قيمة نفسك

 


بين المركزي والمحلي تضيع الاحلام

 


لانقاذ البلاد نحتاج لروح التواصل والانسجام بين السلطة المركزية والسلطة المحليات... بين جمهور المركزية وجكهورالمحليات... بين إعلام المركزية واعلام المحليات... بين النخب المركزية ونخب المحليات... بين القيادات المركزية والقيادات المحلية ....تونس جسم واحد

Sami Nasr sociologue 

mercredi 28 avril 2021

عدم الالتزام بالبروتوكول الصحي هو مؤشر على...

 


عدم الالتزام بالبروتوكول الصحي هو مؤشر  على درجة وعي الشعب، وأيضا هو مؤشر على درجة فشل السياسة الاتصالية للحكومة وللجنة الوطنية وخاصة درجة حسن إدارة الأزمة...

Sami Nasr sociologue 

lundi 26 avril 2021

الحذر من التوظيف السياسي

 


كل الحذر من التوظيف السياسي

كل ما يحدث ويلفت انتباه الرأي العام يندرج ضمن خانة التوظيف السياسي:

توظيف أحداث

خلق أحداث مفتعلة

توظيف جمعيات وقيادات جمعياتية

توظيف اعلام

توظيف نخب ومحللين

توظيف وخلق ميليشيات فايسبوكية. ... 

علينا التعامل بكل حذر مع ما يحدث وما يروج وما يتم اتخاذه من قرارات وتعليمات 

أفهم اللعبة ولا تكون طرف يوظف في اللعبة

قد يصبح هذا الكلام جريمة في زمن التوظيف السياسي والمتاجرة بكل شيء

Sami nasr sociologue

samedi 24 avril 2021

أسوأ ما في هذا الوباء اللعين

 


أسوأ ما في هذا الوباء اللعين هو عندما تجد نفسك مجبرا على عدم زيارة الاهل والأحباب...

غلق مدينتي قليبية أكثر مؤلم.. ربي يحمي الجميع

شعور يصعب شرحه

vendredi 23 avril 2021

صحة شريبتكم

 


 


تبعا لتطور الوضع الوبائي بمعتمدية قليبية ولكسر حلقة العدوى والإنتشار السريع لفيروس كورونا تقرر ما يلي : 

🔴 غلق معتمدية قليبية لمدة 07 أيام بداية من 24 افريل 2021 الى غاية 30 أفريل 2021 مع الحرص على :

✅منع التنقل من وإلى معتمدية قليبية الا في الحالات الإستثنائية والإستعجالية.

✅ منع التجمعات والاحتفالات والتظاهرات مهما كان نوعها والحفلات العامة والخاصة.

✅ تعليق نشاط الحمامات وقاعات الرياضة .

✅ رفع الكراسي والطاولات بالمقاهي والمطاعم .

✅ منع إنتصاب السوق الأسبوعية.

✅تكثيف حملات التقصي.

✅ الإلتزام بالحجر الصحي بالنسبة للمصابين.

جرائم النصب والاحتيال تغزو مجتمعنا

 


جرائم النصب والاحتيال تغزو مجتمعنا


 

تعدّدت في الفترة الأخيرة جرائم النصب والاحتيال وتنوّع ضحاياهم، إذ لم يعد مقتصرا على الفئات الاجتماعيّة الفاقدة لما يسميّه بيار بورديو بالرأسمال الثقافي والرأسمال الاقتصادي، وأصبحنا نجد من بين الضحايا أصحاب رؤوس الأموال وخرّيجي الجامعات، إضافة للفئات الضعيفة.

ويتسم النصب والاحتيال عن بقيّة الجرائم الأخرى بشيء من الطرافة، منها ما يعود لشخصيّة المحتال وبراعته في إتقان "فن الاحتيال"، ومنها ما يرتبط مباشرة بشخصيّة الضحيّة كالغباء والطمع وحب الاستثراء بطريقة سريعة وغير مكلّفة... فإذا كان ضحيّة السارق مثلا تسلب ممتلكاتها بغير إرادة منها، فإنّ للنصّاب أو المحتال من الحيل ما يجعل ضحيته يسلّمه بنفسه ما بحوزته باختياره ورضاه. وهذه الطرافة الكامنة في جرائم التحيّل والنصب دفعت العديد من الصحف إلى المراهنة عليها في التوزيع والتسويق خاصة عند وضعها لعنوانين مثيرة وبالصفحة الأولى.

ولفهم خصائص جرائم النصب والاحتيال قمنا بجمع 55 قضيّة من هذا النوع تم ارتكابها وتداولتها الصحف التونسيّة، أدين فيها 120 متّهما ومتّهمة. وتظهر من خلال قراءتها أهم مميّزات المحتال أو النصّاب والتي كانت على النحو التالي:

-       بالنسبة لمعدّل السن، سجلنا هيمنة واضحة للكهول مقارنة بالفئات العمريّة الأخرى، إذ بلغ عددهم الـ58 متّهما أي بمعدّل 70.83% من جملة المتّهمين في قضايا التحيّل والنصب.

-       أمّا بالنسبة للجنس فلاحظنا ضعف عدد الجرائم المرتكبة من قبل الإناث، إذ لم تتجاوز نسبتها الـ 9.16%، وظلّ نشاط تحيّلها مقتصرا على انتحال صفة عرّافة أو المشاركة في التحيّل على المؤسسات والشركات.

 أمّا بالنسبة للخصائص فنذكر:

حسن اختيار سذاجة الضحية: ومن بين القضايا المسجّلة في هذا الغرض تحدّثت احدى الصحيف عن "عرّافة تبتزّ عزباء بالحيلة"، حيث طلبت منها 700 دينار لإرضاء ملك الجان "همروش" وإحضار دجاجة حمراء وقطعة قماش لفك عقدتها المتمثلة في تأخير سن الزواج. كما تحدّثت صحيفة "أخرى عن حلاّق تحوّل إلى عرّاف لـ  يوهم امرأة مريضة "بأن جسدها يسكنه 12 جنيّا لينفذ غاية دنيئة"، وأقنعها بضرورة ملامسة مناطق حسّاسة من جسدها طيلة 12 يوما.

 ومن بين القضايا التحيّليّة الناتجة عن الطمع والرغبة في التملّك نذكر قضيّة  "وزراء وجنرالات أفارقة وهميون يتحيّلون على رجال أعمال تونسيين"، أو قضيّة المتحيّل الذي يشتري 29 جهاز تلفاز "مجانا" من تاجر ويبيعها بمقابل 61 ألف دينار بعد أن أوهمه بأنّه وكيل شركة وعرض عليه صفقة مغريّة، وتحدثت صحيفة  أخرى عن متحيّلين يوهمون رجل أعمال بكميّة من الذهب ويطلبون منه أربعين ألف دينار ثم قتلوه بحجر بعد أن استحوذوا على المبلغ المطلوب.

سرعة البداهة واستغلال الظروف المواتية، فأحيانا لا يبحث المتحيّل عن ضحيّته أو عن أسلوبه في التحيّل بل يبقى ينتظر فريسته حتى تأتيه مصادفة، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد بإحدى الصحف "اليومية" عن رجل سأل متحيّلا عن عنوان إحدى الضيعات لبيع الطماطم فأعلمه بكل ثقة في النفس أنّه هو صاحب تلك الضيعات وباع له محصول الطماطم دون أن يثير أي شكّ لدى ضحيته...

يملك قدرة فائقة على التمثيل وأداء الأدوار الاحتياليّة، كثيرا ما يراهن المتحيّل والنصّاب في إقناع ضحيّته على مظهره الخارجي كالهندام والإيهام بالثراء... فقد ذكرت إحدى الصحف "اليومية" قصة "الإطار السامي" الذي تخصّص في سلب سائقي التاكسي بعد أن يوهمهم من خلال هندامه وطلاقته في استعمال اللغة الفرنسيّة بأنّه إطار سام ثم يطلب منه إيصاله إلى مكان بعيد ليختلي به ويسلبه ما بحوزته.

الذكاء الحاد، يتوقّف نجاح أي متحيّل أو نصاب على حدّة ذكائه، وبراعته في استعمال الأساليب المتطوّرة والمبتكرة. فحسبما تحدّثت إحدى الصحف "الأسبوعية" تمكّن تلميذ تونسي من اقتحام موقع فرنسيّ للتجارة الالكترونيّة ليتحيّل على 19 شخصا"، وتم اكتشافه عبر الانتربول.

المعرفة الجيّدة بالضحيّة، تعتبر معرفة درجة احتياج الضحيّة الشرط الأساسي لنجاح المتحيّل، فمع تفاقم ظاهرة بطالة خرّيجي الجامعات ولهفتهم على البحث عن الشغل، وجد بعض المتحيّلين فرصتهم في استغلال هذه الفئة رغم مستواها التعليمي، فقد ورد بإحدى الأسبوعيات أن "شابا مراوغا يتحيّل على خرّيجي الجامعات والمتنازعين بدعوى حل مشاكلهم!"، إذ ارتكب المتحيّل سلسلة من القضايا بعد إيهام ضحاياه بتمكينهم من شغل من خلال علاقته ببعض المسؤولين. كما ذكرت أسبوعيةأخرى صادرة يوم 14 ماي الجاري أن "مهندسا مزيّفا يلهف أموال الباحثين عن شغل!".

وعلى اثر تكثيف الحملات الأمنيّة بالأماكن العموميّة وخاصة من قبل الأعوان بالزي المدني، انتشر الخوف لدى المواطنين فأصبحوا لا يتجرأون على المطالبة بهويّة العون قبل تسليمه بطاقات تعريفهم. واستغلّ بعض المحتالين هذه الوضعيّة لسلب المواطنين، فقد سجلنا في الفترة الأخيرة عدة حالات تم خلالها سلب وسرقة مواطنين بعد تقمّص الجاني صفة عون أمن، ففي ساحة برشلونة قام متحيّل بإيهام شاب أنّه عون أمن ونجح في سرقته، كما وصلت جرأة البعض منهم  إلى التحيّل عبر انتحال صفة عون أمن أمام مقر وزارة الداخليّة بالعاصمة، إذ سبق وأن تحدّثت صحيفة "الصباح" الصادرة يوم 11 أفريل 2008 عن متحيّلين يوهمان شابين بأنهما أعوان أمن للاستحواذ على حافظة النقود... وأكثر من ذلك تمكّن أربعة شبّان من انتحال صفة دوريّة أمنيّة بعد أن قاموا بسرقة سيارة للغرض (انظر صحيفة "الشروق" ليوم 8 ماي الجاري) ""أعوان أمن" مزيّفون يسلبون المارة". 

   أمّا بالنسبة لوسائل التحيّل، فقد سجلنا 16  وسيلة تم من خلالها التحيّل على المواطنين نذكر منها الهجرة  السريّة (حالتان) والهجرة الشرعيّة ( 12 حالة)، تقمّص صفة عون أمن (  7حالات) ، تحيّل في الملكية والبيع (14 حالة)، عرّاف وهمي (6 حالات)، كنوز وهميّة (7 حالات)، تحيّل على شركات من أجل الاستيلاء (13 حالة)…

ويدل هذا التنوع في الجرائم على أن أنواعا جديدة من الجريمة غزت مجتمعنا وهي في سبيلها إلى التوسع والإنتشار مما يفرض تطويقها وملاحقتها. لكن مكافحة الجريمة لا يكون بالأساليب الأمنية وحدها وإنما تحتاج هذه الظواهر إلى معالجة اجتماعية وثقافية وعمل تربوي وتوعوي يُحصن المواطن من الوقوع فريسة للمحتالين  ويحول دون انحراف الشباب العاطل، وبخاصة الخريجين، نحو عالم الجريمة بصفته الملجأ الأخير لهم لكسب القوت.

سامي نصر

دكتور في علم الاجتماع

المواطن التونسي يتجاوز أزمته بحلول وهمية

 

المواطن التونسي يتجاوز أزمته بحلول وهمية

سامي نصر

انتشرت بشكل ملفت للانتباه ظاهرة الشعوذة ببلادنا وبمختلف الدول العربية، إذ أكدت دراسات إحصائية عربية أنه في العالم العربي يوجد مشعوذ واحد لكل 1000 نسمة من المواطنين، وما يثير الانتباه أن هذه الظاهرة اكتسحت حتى فئة المتعلمين وأصحاب الشهائد العلمية، مع تسجيل اقبال نسبة الاناث أكثر على المشعوذين (64% اناث و36% ذكور). كما سجلت إحدى الدراسات أن 55 في المائة من المترددات على السحرة هن من المتعلمات ومن المثقفات، و24 في المائة ممن يجدن القراءة. ومن جهة أخرى تشير العديد من الدراسات أيضا إلى المردود الاقتصادي الخيالي للدجالين والمشعوذين الشيء الذي دعل عددهم يرتفع بشكل جنوني وخاصة في السنوات الاخيرة.  

 

وجدير بالذكر أنه مع التطورات الحاصلة في عالم الاتصال والتواصل وخاصة عبر الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي انتشرت العديد من المواقع المختصة في مجال الشعوذة بل أضيفت في الفترة الأخيرة العديد من التطبيقات في الفايس بوك لتقوم بدور المشعوذ والعراف... كما كشف تقرير صادر مؤخرا عن المركز الأميركي "بيو" للأبحاث، أن ما يعادل 86% من متساكني شمال افريقيا (بما فيها تونس) مقتنعون بـ"وجود الجن" مقابل 78% يؤمنون بـ"السحر" و80% متأكدين من حقيقة "شر العين"، في حين لا تتجاوز النسبة 7% ممن أقروا بارتداء "تعويذات" و16% من مستعملي "وسائل أخرى لطرد شر العين ومفاعيل السحر". وبحسب التقرير، فإن حوالي 3% منهم متفقون مع ضرورة "تقديم قرابين للتقرب من الجن".

دوافع ظهور وانتشار ظاهرة الشعوذة:

من الناحية السوسيولوجية في فترة التحولات العميقة التي تحصل في المجتمع وخاصة كلما تعقّدت ظروف الحياة وازدادت صعوبة تتنامى مشاعر عدم الاستقرار ويزداد انتشار الخرافات، وبمعنى آخر تنتشر الخرافات أكثر بانتشار حالات القلق والاضطراب والشعور بالضعف والعجز عن مواجهة مشاكل الحياة ومخاطرها، وفي هذا الإطار تصبح الشعوذة والخرافة عبارة عن متنفس وملجأ لشريحة كبيرة من المجتمع، لتقوم بتهدئة المخاوف الناجمة عن الاضطرابات التي تسود زمن التحولات الراهن. إذن، انتشار هذه الظاهرة له أسبابها الاجتماعية والاقتصادية أيضا سياسية.

مظاهر تفشّي الظاهرة

تطالع المواطن التونسي أينما حل إعلانات تحثّه على المشاركة في مسابقات يمكن أن يجني من ورائها مكاسب مادية، بل قد تغيّر مسيرة حياته وتجعله ينتقل من الخصاصة إلى الثراء بمجرّد "ضربة حظ". وأصبح التونسي بدوره يتلهّف على ذلك ليبقى يحلم بهذا الفوز، كما لم يعد الوهم مجرّد ظاهرة مرضيّة تعاني منها فئة اجتماعيّة معيّنة في بلادنا، بل أصبحت في السنوات الأخيرة إحدى أهم الوسائل الدفاعيّة للمواطن التونسي خاصة مع الظروف الاقتصاديّة والاجتماعيّة القاسية التي يعيشها. ولم تعد مقتصرة فقط على الفئات المحدودة الدخل، بل شملت تقريبا مختلف الشرائح الاجتماعيّة، إضافة إلى عدم ارتباطها بمستوى تعليمي محدد، فكثيرا ما نجد من بين ضحايا جرائم الوهم أصحاب رؤوس الأموال وخرّيجي الجامعات (إضافة لأصحاب الدخل المحدود والمستوى التعليمي المتدنّي). وأكثر من ذلك، أصبحنا اليوم نتحدّث عن ثقافة الوهم والمتمثلة في الرغبة في الثراء المفاجئ دون بذل أي مجهود، أي محاولة تجاوز الوضع الحالي للمواطن عبر الخيال والأوهام. وهكذا تحوّل الوهم إلى ظاهرة اجتماعيّة تمسّ جل مكوّنات المجتمع التونسي، وكان لوسائل الإعلام بمختلف أشكالها  دورا رئيسيّا في ذلك. فكيف تجذّرت ثقافة الوهم في المجتمع التونسي؟ ومن هم المستفيدون من هذه الثقافة؟

العديد من الأفلام والمسلسلات التي تبثّها القنوات التلفزيّة وتستهوي المواطنين تسير في اتجاه  نشر وتغذية ثقافة الوهم، خاصة عندما تروي لنا قصص لفقراء تحوّلوا إلى كبار أثرياء البلاد وأصحاب نفوذ وسلطة، لتؤكّد أن الأمل في الثراء والارتقاء الاجتماعي يبقى ممكنا ولا يحتاج إلى أي مجهود إذ تكف الفوز بإحدى تلك المسابقات  لتنقله من وضع إلى آخر.  

كما تحوّلت عقلية المسابقات إلى آلية تتحكّم في اشتغال مجتمعنا، إذ أصبح إدراج المسابقات ضمن العديد من البرامج التلفزية والإذاعيّة شرطا أساسيّا لنجاحها والإقبال عليها. فقد بدأ هذا التمشّي يظهر في مجتمعنا بشكل واضح مع برنامج "شمس الأحد" لهالة الركبي والذي حقّق بفضل تلك المسابقات نجاحا ملحوظا على مستوى الإقبال والمشاركة، ثم تركّزت أكثر في الفترة الأخيرة مع برنامج "آخر قرار" والذي تمكّن من شد المواطنين إليه، وكنتيجة لذلك أصبح العديد من التجار وخاصة في الأسواق الشعبية يضعون عبارة "آخر قرار" فوق لوحة الأسعار المعروضة لضمان جلب الحرفاء. وفي نفس الإطار أيضا نجد برنامج "دليلك ملك" والذي حظي هو الآخر بنجاح على مستوى الإقبال الجماهيري، وهو ما أكّدته العديد من الدراسات الإحصائيّة الخاصة بشركات التسويق.

أمّا على المستوى الإذاعي فقد راهنت هي أيضا على إدراج المسابقات وزراعة ثقافة الوهم لدى المواطنين في برامجها الإذاعيّة، ويكف هنا أن نشير إلى المسابقة الأخيرة بإذاعة "الموزاييك" والتي أثارت الكثير من الجدل خاصة بعد تعدّد شكاوي المواطنين من عمليات التحيّل والإيهام بالفوز بجائزة المليونير وكما نصّت إعلاناتها المسابقة تكف رسالة قصيرة بسيطة عبر الهاتف لتجعل من صاحبها مليونارا.

كما تحوّلت العديد من الصحف التونسيّة إلى فضاء خاص بتلك المسابقات وكثيرا ما تضعها على صفحاتها الأولى، البعض منها مجاني وتهدف الصحف من وراءه إلى تحسين قدراتها التوزيعيّة. والبعض الآخر يندرج ضمن الإعلانات الإشهارية المدفوعة الأجر لصالح بعض الشركات والمؤسسات على غرار المسابقات المتعدّدة والمتنوعة لشركة "تونزيانا" وشركة "تلكوم"...

من المستفيد من ثقافة الوهم؟ 

بقدر ما تفشّت ثقافة الوهم لدى مختلف الشرائح الاجتماعيّة تعدّدت الجهات المستفيدة والمستغلّة لهذه الظاهرة.

فعلى المستوى التجاري نلاحظ أن شركات ومؤسسات التسويق كثّفت من عروض المسابقات وإيهام الفوز بالجواز الواقعية منها والخيالية قصد توزيع منتوجاتها وخاصة المتعلّقة منها بالمواد الغذائيّة، فالمراهنة على حسن التوزيع أصبح مقترنا بشكل أساسي بثقافة الوهم، إذ لا نكاد نجد عرضا لمنتوج غذائي لا يراهن على المسابقات.

وعلى مستوى الخدماتي فإن الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة أصبحت تراهن هي الأخرى على استثمار وتوظيف ثقافة الوهم، بل أصبحنا نشاهد اليوم منافسة حادة بين بعض الشركات في هذا المجال مثلما هو الحال بالنسبة لشركتي تونيزيانا وتلكوم، إضافة للمؤسسات البنكية والبريد التونسي الذي أصبح في الفترة الأخيرة يقوم ببعض الإعلانات المتعلّقة بالربح.    

أمّا على المستوى الإجرامي فإنّ العديد من جرائم التحيّل والتي أصبحت تحتلّ مكانة متميّزة في عالم الجريمة ببلادنا مرتبطة بشكل أساسي بثقافة الوهم مثل قضايا البحث عن الكنوز، والإيهام بالمساعدة على الهجرة الشرعية، إضافة للعديد من قضايا الهجرة غير الشرعيّة. ومع تفاقم ظاهرة بطالة خرّيجي الجامعات ولهفتهم على البحث عن الشغل، وجد بعض المتحيّلين فرصتهم في استغلال هذه الفئة رغم أهمية مستواها التعليمي، فقد ورد بإحدى الأسبوعيات أن "شابا مراوغا يتحيّل على خرّيجي الجامعات والمتنازعين بدعوى حل مشاكلهم!"، وذكرت الصحيفة أن المتحيّل ارتكب سلسلة من القضايا بعد إيهام ضحاياه بتمكينهم من شغل من خلال علاقته ببعض المسؤولين. كما ذكرت أسبوعية أخرى صادرة أن "مهندسا مزيّفا يلهف أموال الباحثين عن شغل!".

ومن بين القضايا التحيّليّة الناتجة عن الطمع والرغبة في التملّك نذكر قضيّة  "وزراء وجنرالات أفارقة وهميون يتحيّلون على رجال أعمال تونسيين" ، وتحدّثت بعض الصحف بداية هذه السنة عن متحيّلين يوهمون رجل أعمال بكميّة من الذهب ويطلبون منه أربعين ألف دينار ثم يقتلوه بحجر بعد أن استحوذوا على أمواله.

أمّا على المستوى السياسي فإنّنا سجلنا العديد من الحالات التي تم فيها استثمار ثقافة الوهم أثناء فترة الحملات الانتخابية، فبمناسبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لسنة 2004 عبّرت العديد من وسائل الإعلام التونسية عن تحيّزها للحزب الحاكم عبر مسابقات تتضمّن دعاية غير مباشرة لبرنامجه الانتخابي ولـ"الانجازات" التي تحققت في الفترة السابقة.

من خلال ما تقدّم نلاحظ أن ثقافة الوهم والرغبة الجامحة في الثراء المفاجئ ودون أي مجهود لدى المواطن التونسي تعكس بشكل أو بآخر محدوديّة الحلول الواقعيّة لتجاوز الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد ويعانيها المواطن، فبعد فشل وعجز الحلول العملية أصبح التونسي يلتجأ للحلول الوهمية، ووجدت العديد من المؤسسات العاملة في قطاع الإنتاج أو الخدمات في هذا الاستعداد فرصتها لمزيد استغلال المواطنين وإبعادهم عن حقيقة الوضع الذي يعيشون فيه. 


محاولة في سوسيولوجيا الإعلام الإجرامي حادثة "سليمان" نموذجا

 

محاولة في سوسيولوجيا الإعلام الإجرامي

حادثة "سليمان" نموذجا[1]

بقلم سامي نصر

باحث سوسيولوجي

التقديم   

    لم يعد الإعلام مجرّد أداة لنقل الأخبار، أو مجرّد وسيلة فعّالة للتواصل بين البشر، بل تحوّل إلى موضوع بحث ودراسة، تهتم به العديد من العلوم الاجتماعيّة والإنسانية مثل علم النفس، وعلم الاجتماع، وعلم الاتصال والتواصل، وعلم الإجرام... ومع تطوّر الدراسات والأبحاث المتعلّقة بوسائل الإعلام والمؤسسات الإعلاميّة تم تأسيس وولادة العديد من التخصّصات العلميّة، فمن علم النفس تأسّس علم النفس الإعلامي، ومن علم الإجرام تأسس علم الإعلام الإجرامي أو القضائي، ومن علم الاجتماع تأسسّ علم الاجتماع الإعلامي... وفي هذا الإطار تندرج محاولتنا البحثيّة والمتعلّقة بسوسيولوجيا الإعلام الإجرامي، والتي نتناول فيها أوّلا، تأثيرات وسائل الإعلام الجمهور المتقبّل للرسائل الإعلاميّة. وثانيا، مختلف العلاقات التي تربط بينها (وسائل الإعلام) وبين الظواهر الإجراميّة مستعينين في ذلك ببعض الدراسات العلميّة ونتائج البحوث الميدانيّة. كما سنحاول التركيز على ظاهرة "إجراميّة" حظيت باهتمام العديد من وسائل الإعلام التونسيّة، وهي "حادثة سليمان" التي وقعت نهاية شهر ديسمبر 2006 وبداية جانفي 2007، حاولنا من خلالها إعادة إحياء بعض آليات بحث عالم الاجتماع الأمريكي هارولد لازويل Harold Lasswell.

فماذا نعني بمفهوم الإعلام بصفة عامة والإعلام القضائي أو الإجرامي بصفة خاصة؟ وهل يساهم الإعلام القضائي في الحد من نسب انتشار الجريمة أم العكس؟ وكيف تفاعلت الصحف التونسيّة مع حادثة سليمان؟

-I-  المحور الأول، إشكالية الإعلام وعلاقته بالظواهر الإجراميّة:

- مفهوم الإعلام:

    مرّ  مفهوم الإعلام بالعديد من التطوّرات، إذ لم نكن نجد في البداية أيّ تمييز بين الإعلام والصحافة، كما أنّ المفهوم القديم ربطهما بمفهوم الاتصال المباشر، حيث عرّف الباحث الفرنسي بيار ألبير الإعلام أو الصحافة بكونه: "ما اتفق عليه المختصون من أنّه التواصل أو الاتصال بين الأفراد والجماعات منذ القدم وذلك عبر طرق عفويّة وبدائيّة تعتمد الاتصال الشخصي والمباشر"[2] مثل الروايات والقصص... وكان الفضاء الإعلامي عبارة عن أماكن التجمعات البشريّة كالسوق والجامع والدكانين وغيرها.

    أمّا الصحافة المكتوبة في مفهومها المعاصر فقد أخذت بعدا مغايرا للمفهوم القديم وأصبحت الصحافة عبارة عن فرع من فروع الإعلام، كما ولم يعد يقتصر على الاتصال المباشر، بل اعتبره المختصون فنّا يتميّز بالحركيّة والنمو وبالتالي يصعب تحديد مفهومها فهي: "تبقى حيويّة ونامية ومتطوّرة" أو هي "فن رواية الأخبار ونشرها على الناس" على حد تعبير محمد عبد المولى[3]

ولعلّ أهم تعريف يمكن الاستعانة به في هذا البحث هو ما قدّمه لنا أديب مرّة وخاصة في كتابه "الصحافة العربيّة نشأتها وتطوّها" حيث اعتبر الصحافة " فن تأريخ وقائع الحياة اليوميّة وعرضها كما هي والتعليق على الأحداث بروح علميّة واقعيّة بحتة"[4] ومع التطوّرات التي عرفها قطاع الصحافة في السنوات الأخيرة وانتشارها بين مختلف الشرائح الاجتماعيّة، وهيمنة الإشهار والتسويق، وارتباطها بالعديد من المؤسسات الاقتصاديّة كالطباعة والإعلاميّة وشركات الخدمات و... أصبح العديد من المهتمين بهذا القطاع  يرون أنّ مؤسسة الصحافة تحوّلت هي الأخرى إلى صناعة على شاكلة المؤسسات الصناعيّة والاقتصاديّة، بل أصبح الكسب المادي والبعد الربحي إحدى أهم ما يميّز الصحافة.. ففي محاضرة ألقاها الدكتور رياض طه (بتاريخ 22 جانفي 1984) أشار إلى ذلك بقوله "الصحافة ليست رسالة أو أداة خدمة عامة فحسب، وإنّما هي كذلك صناعة وتجارة، إنّها مؤسسات ترتبط بمصيرها ألوف الأسر وتشكّل فعاليّة اقتصاديّة وإنتاجا وطنيّا". كما ذهبت السيدة صباح توجاني في رسالة ختم الدروس الجامعيّة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار في نفس السياق حين قالت: "إذن تحوّلت الصحافة الحديثة تدريجيّا إلى صناعة متكاملة الحلقات فيها خسارة وفيها الربح، وفيها علاقات تجاريّة وماليّة متشابكة مع البنك ومصنع الورق ومصنع الحبر وشركة النقل وشركة التوزيع. ويتّفق أصحاب المؤسسات الصحفيّة على وجوب الموازنة بين الإيرادات والمصروفات وعلى ضرورة المنافسة في الخدمة الإعلاميّة وسعة التوزيع والانتشار."

    أمّا المقاربة السوسيولوجيّة لوسائل الإعلام فإنّها تعتبرها "ظاهرة اجتماعيّة يمكنها أن تؤثّر في الظواهر الأخرى، كما يمكنها أن تتأثر بهذه الظواهر."[5]. كما ترى الباحثة أيضا أن علم الاجتماع الإعلامي هو: "العلم الذي يدرس وسائل الإعلام كظاهرة اجتماعيّة، دراسة وصفيّة، أي دراسة الواقع الفعلي لهذه الوسائل، أو بأسلوب آخر، دراسة ما هو كائن وليس ما ينبغي أن يكون."[6]

-2-  الإعلام القضائي:

   أمّا الإعلام القضائي فهو الإعلام الذي يتّخذ من الجريمة مادة إخبارية له، فيحاول الصحفي من خلالها تعقّب الجرائم والإجراءات القضائيّة المتّصلة بها، أو كما يعرّفه الأستاذ إبراهيم إمام في كتابه "فنّ العلاقات العامة" بكونه: "محاولة من الأجهزة الإعلاميّة لتعقّب كوارث المجتمع ووصفها وصفا حقيقيّا للقارئ ملتزمة بآداب اللياقة واحترام شخصيّة المتّهم والضحيّة وهي مهمّة لن يؤدّيها غير الرجال المختصين في الإعلام والعلاقات العامة"[7]، ذلك أنّنا نجد أن أجهزة الإعلام "تتعقّب الجرائم والكوارث لتصفها وصفا مثيرا وتتحرّى الفضائح لتسرف في تصويرها بتفاصيلها مهما جانبت آداب اللياقة... أي تهتمّ بالجانب السلبي من الحياة. ولكن وظيفة الإعلام هي عرض الجوانب الإيجابيّة أيضا"[8]

-3- تأثير وسائل الإعلام على الجمهور:

    مثّلت وسائل الإعلام أحد المواضيع الأساسيّة التي تناولها علماء الاجتماع، وخاصة في الأربعينات من القرن الماضي. ونقصد بذلك "سوسيولوجيا وسائل الاتصال الجماهيري"، كفرع من فروع علم الاجتماع قائم على نموذج وضعه عالم الاجتماع الأمريكي هارولد لازويل Harold Lasswell، وينبني هذا النموذج على قائمة من خمسة تساؤلات وهي: 

 من؟    Who

يقول ماذا؟   Says What

بأي وسيلة؟       In Wich channel

لمن؟   To Whom

وما هو التأثير   With What effect

حيث نلاحظ من خلال هذه التساؤلات الخمسة أن لازويل حاول من خلالها الإحاطة بكل ما يمكن أن تتضمّنه الرسالة الإعلامية.

ثم في سنة 1976 حاول روبرت اسكاربيت إعادة صياغة نموذج لازويل من خلال اختزاله في أربعة أسئلة ركّز فيها بشكل أساسي على المتقبّل وهي:

من؟

يستقبل ماذا؟

في أي جماعة؟

بغية أي تأثير؟

 وما تجدر ملاحظته في هذا السياق هو أن كل النماذج العلميّة والسوسيولوجيّة سوى أكان نموذج لازويل أو نموذج اسكريبت أو نموذج عالمة الاجتماع الفرنسيّة آن مارى لولان A.M. Laulan ركّزت على محتوى الرسالة الإعلاميّة أو التأثيرات المباشرة وغير المباشرة  لها على الجمهور المتقبّل للرسالة، سوى على مستوى الممارسات اليوميّة أو الرأي العام. ونظرا لخطورة تأثيرات وسائل الإعلام على الرأي العام، أصبحت وسائل الإعلام موضوع بحث بالنسبة للعديد من الاختصاصات العلميّة، أو المؤسسات التي لها علاقة بالجمهور وبالرأي العام ومن بين هذه المؤسسات نذكر: المؤسسة التشريعيّة التي يناط على عهدتها كل ما له علاقة بالتشريع  والمؤسسة الأمنيّة المسؤولة على الأمن والاستقرار في البلاد. فمثلا، منذ "المؤتمر الأوّل لمديري العلاقات الخارجيّة بوزارات الداخليّة في الدول العربيّة، أثير موضوع تأثير وسائل الإعلام والثقافة على الرأي العام، وكان هناك اتفاق على أن لهذه الوسائل أثرها الفعّال في تشكيل القيم والاتجاهات المناهضة للجريمة، والمساعدة على إقرار الأمن وفي المقابل، هناك اتفاق مماثل على أن هذه الوسائل قد تنحرف أحيانا عن القيام بدورها المطلوب، بل تؤدّي إلى تأثير معاكس يشجّع على الانحراف ويعزي بارتكاب الجريمة من خلال ما يعرض بالسينما والتلفزيون أو ما ينشر بالصحف والمجلاّت"[9]

-4- كيفيّة مساهمة وسائل الإعلام في انتشار الظاهرة الإجراميّة:

   أصبحت قضيّة العلاقة بين وسائل الإعلام والظواهر الإجراميّة مركز اهتمام العديد من الباحثين في العلوم الإنسانيّة والاجتماعيّة، واحتلّت صدارة المؤسسات الاجتماعيّة التي تمّ اتهامها بتدعيمها للسلوك الإنحرافي والإجرامي.

   فمثلا، أظهرت بعض الدراسات العلميّة في إسبانية أن 39 في المائة من الشبان المنحرفين تلقّوا معلوماتهم التي استمدّوها في تنفيذ جرائمهم من التلفزيون[10]

    كما عبّر عالم الاجتماع الكندي "مارشال ماكلوهان" عن القدرة التأثيريّة لوسائل الإعلام من خلال تمييزه بين مقولتين متشابهتين في النطق ومختلفتين في المعنى ،أي مقولتي  le message (الرسالة) و le massage (التدليك) ويرى أن وسائل الإعلام اليوم تخلّت عن الوظيفة الأولى لتحل محلّها الوظيفة الثانيّة أي التدليك...

وتظهر علاقة وسائل الإعلام بالظواهر الإجراميّة في ثمان نقاط أساسيّة وهي:

أوّلا، التعليم:

    فمن خلال نشر تفاصيل ارتكاب الجريمة سوى أكانت عبر وسائل الإعلام المكتوبة، في إطار نقل الأحداث والوقائع، أو عبر الأشرطة والأفلام المستوحاة من قصص واقعيّة أو خياليّة.. يمكن للفرد تعلّم "أساليب ارتكاب الجرائم وأنماطها عن طريق ما تنشره من وسائل سرقة السيّارات، وإخفاء معالم ملكيتها، وكيفيّة تزوير الوثائق، ووسائل الغش التجاري وغيرها من أساليب الانحرافات السلوكيّة"[11] ، بحيث تحوّلت بعض وسائل الإعلام إلى مدرسة جيّدة لإتقان فنون الجريمة.

ثانيّا، قتل الاشمئزاز والاستنكار من الجرائم:

    إذا كان الاشمئزاز الاجتماعي على حد تعبير إميل دوركايم أحد أهم الدوافع التي تجعل الفرد ينبذ الجريمة والإجرام، فإنّ كيفيّة نشر خبر الحدث الإجرامي أو جعله ركن أساسي في وسائل الإعلام، يجعل من الممارسات الانحرافيّة والإجرامية سلوكا عاديّا تنتفي في ارتكابها أي نوع من الاشمئزاز والاستنكار سوى من طرف الشخص الذي يرتكب الجريمة أو بقيّة أفراد المجتمع. أو بلغة أخرى تقتل بعض وسائل الإعلام ما يمكن تسميته بـ "المناعة الردعيّة"، هذه المناعة التي كثيرا ما تكون نتائجها أكثر وقعا من العقوبات التأديبيّة.

ثالثا، جعل الجريمة مرغوبة:

     من بين الانعكاسات المباشرة لوسائل الإعلام على الأطفال والشباب هو جعل المجرم شخصا جذّابا من خلال البطولات التي يقوم بها، وذكاءه الخارق للعادة، و... بل قد يصير هذا المجرم نموذجا ورمزا في خيال المتقبّل، وتكون الانعكاسات أكثر قوّة عبر ما يعرض من أفلام وأشرطة في التلفاز، خاصة عندما يقوم بدور المجرم نجم من النجوم السينمائيّة المحبوبة لدى الجمهور كالممثل عادة الإمام وسعيد صالح وفريد شوقي و... ونفس الشيء يحصل في الصحف المكتوبة عندما تصوغ الخبر الإجرامي بأسلوب جذّاب، فـ"التوسّع في نشر تلك الأخبار يجعل الجريمة جذّابة والمجرم شخصا خياليّا، وتكون النتيجة أن الشباب المغامر يحاول أن يقتفي أثر هؤلاء المجرمين ليكون له نصيب من بريق الجريمة..."[12]

رابعا، جعل الحياة اليوميّة للمجرمين جذّاب:

    تتضمّن العديد من الأشرطة والمسلسلات البوليسيّة تفاصيل عن طرق معيشة المجرمين ومحترفي الإجرام وتسلّط الأضواء على البذخ والتمتّع بملذّات الحياة، وخاصة التمتّع بالسلطة والنفوذ الموازية لسلطة الدولة والقانون، كما هو الحال في شريط "الهانم" والذي يروي قصّة عصابة مختصة في تجارة الأسلحة والمخدّرات تترأسها امرأة تتميّز في الآن نفسه بالشدّة والعطف، تمكّن أفراد العصابة من تهريبها أثناء ترحيلها إلى السجن، تعيش هذه العصابة في منطقة جبليّة ويحكمها "قانون الهانم" والمقصود به في الشريط قانون السلاح والقوّة، وهو نفس الاسم الذي تحمله رئيسة العصابة، لقد قدّم الشريط صورة جماليّة رائعة لحياة هذه العصابة وتمسّكها بالقيم والمبادئ التي تسير عليها... وطبعا حقّق هذا الشريط نجاحا كبيرا في مصر وفي العالم العربي. وتقريبا نفس الصورة نجدها في العديد من الأشرطة السينمائية والمسلسلات، الشيء الذي يجعل المتفرّج يطوق إلى العيش في مثل تلك الظروف.  ويقول الدكتور علي بن  فايز: "قد يكون من سلبيات إظهار الجرائم، إبراز وتأكيد طرق معيشة المنحرفين، حيث تتسم حياتهم بالبذخ والإسراف، أو قد تظهرهم بالمظهر الذي يدعو إلى الشفقة عليهم نتيجة لحياة التشرّد والبؤس والتعاسة والهروب من العدالة، ممّا يثير شفقة القارئ الذي يتّسم سلوكه بمخالفة الضوابط الاجتماعيّة"[13]. كما تقدّم العديد من الأشرطة والمسلسلات صورا لطرق عيش مختلفة لشخص واحد مرّ في بدايته بالفقر والحرمان من كل شيء ثم ما أن دخل عالم الإجرام حتّى انقلبت حياته وأصبح يتمتّع بكل ما كان محروم منه، أو بلغة أخرى تحوّلت العديد من وسائل الإعلام إلى أداة إشهار لصالح الحياة الإجرامية الانحرافية.

خامسا، التقليد والمحاكاة:

    تمثّل ظاهرة تقليد ما يعرض في وسائل الإعلام من أكثر الآثار المباشرة على سلوك أفراد المجتمع وخاصة فئات الأطفال والشباب، حيث يبدأ التقليد عادة باستعمال ألقاب مستوحاة من الأفلام والمسلسلات التلفزيونيّة، ثم تنتقل بسرعة إلى مستوى الممارسات الفعليّة والتي تتجلّى في التقليد والمحاكاة.

   أو على حد قول عالمة النفس ليليان لورسا ، في المقابلة التي أجرتها معها جان ريمي ديلياج حين سألتها "كيف تظهر تلك السيطرة؟ (سيطرة جهاز التلفاز على الأطفال). وكانت إجابتها: "بالفتنة، فنحن نريد أن نكون على الشكل الذي يظهر على الشاشة، فهناك التقليد الإرادي لأبطال التلفزيون، وهناك أيضا التقليد اللاإرادي وخاصة ما يحدث بسبب التشبّع الحسّي-الحركي Perceptivo- Motrice الناتج عن تكرار المواضيع. وعلى حد قول أستاذي هنري والون فإنّ التشبّع عن طريق الانفعال يؤدّي إلى التقليد أي بداية لا إراديّة. والتشبّع هو نوع من أنواع التعلّم يتميّز بأنّ الشخص يتعلّم دون أن يدري أنّه يتعلّم وبالتالي دون أن يدري ما يتعلّمه.."[14]

سادسا، فقدان الأسرة لمكانتها وللدور الذي كانت تقوم به:

     تلعب الأسرة في العادة دور الوسيط الإيجابي بين الفرد والقيم الاجتماعيّة، إذ تحاول عبر التنشئة الاجتماعيّة خلق نوع من الحصانة التربويّة تحول بين الطفل وبين الانحراف. كما تقوم أيضا عبر آليات متنوّعة بخلق التوازن النفسي والاجتماعي بين المحيط الخارجي (الروضة، المدرسة، الشارع، الأصدقاء...) وبين ما تطمح له العائلة من وراء السياسة التربوية الأسريّة. بحيث كنّا  نتحدّث عن سيادة أسريّة وعن عالم أسري يسيطر عليه ربّ العائلة وفي المقابل ذلك نجد عالما خارجيّا يتشابه ويختلف عن نمط العالم الأسري، ولكن ومع دخول جهاز التلفاز والدور الذي أصبح يقوم به، وخاصة سيطرته الكليّة على الأطفال بدأت هذه الأسرة تفقد مكانتها تدريجيّا، وأصبح من الغير الممكن الحديث عن عالم أسري وعالم خارجي، فكل التأثيرات التي كانت الأسرة تخاف منها وتمارس سلطتها لمنع التأثير بها صار يشاهده الأطفال والشباب داخل البيت لا خارجه، كما أصبح تأثير التلفاز أكثر فاعليّة من الأسرة، بل حتّى ربّ العائلة ذاته انساق تدريجيّا وراء هذا التيّار. كما أنّ ظاهرة الإدمان على مشاهدة التلفاز لا يقتصر على الفئات الشبابيّة والأطفال بل وصلت عدواه إلى ربّ الأسرة وبقيّة أفراد العائلة. "إنّ الأطفال اليوم وكما يقول الباحث الألماني "مارتن" ليسوا مشاهدين فقط وإنّما هم شركاء في الأحداث وفي التمثيل. فهم يعيشون مع الحدث ويشاركون فيه. ويتأثرون بالتجربة تأثيرا واقعيّا حيّا لدرجة أن التلفزيون لم يدع للأسرة فرصة للبحث في شؤونها لأنّه بالرغم من وجودهم جميعا في البيت إلاّ أن التلفزيون استحوذ على انتباههم فصرف كلا منهم عن الآخر."[15]

     وفي نفس السياق تقريبا ذهبت الباحثة الكنديّة "ك. تاجرت" حيث تقول: "إن القيم التقليديّة التي تبثّها الأسرة في الأطفال آخذة في الضمور والاضمحلال لتحل محلّها قيم تلفزيونيّة مشتقّة من أفلام رعاة البقر ومسلسلات العنف وتمثيليات الجنس والجريمة، وهي دائرة ضخمة من الآثار الوخيمة ذات الحلقات المتّصلة..."[16]

    وأكّدت ليليان لورسا بأنّ الطفل اليوم يصبح يعيش في عالم مصطنع عوضا عن عالم العائلة، "فعندما يصبح التلفزيون هو النافذة الوحيدة على العالم، فإنّه بسبب ظاهرة إدمان تغلق الفرد وسط عالم مصطنع، ولكن هذا الإدمان ما هو إلاّ علامة لمشكلة أكثر عمقا. يقول سيرج تيسرون أخصائي أمراض النفس "لو مال الطفل إلى جانب الصور وقضّى جلّ وقته أمام شاشة التلفزيون فذلك بسبب فشله في الاتصال بالكبار، وعندما يقلّ التفاهم والنقاش داخل البيت فإنّ الطفل يلجأ إلى الصور"[17]

سابعا، فقدان الاستقلاليّة:

    تساهم وسائل الإعلام بشكل عام وجهاز التلفاز بشكل خاص في فقدان استقلاليّة الفرد أو الشخص المتقبّل للرسالة الإعلاميّة، بحيث تحوّل هذا الجهاز إلى مصدر تعليم وتوجيه ومصدر انصياع من قبل المتقبّل، فـ "مع دخول التلفزيون إلى البيوت، أصبح الأطفال خاضعين إلى تأثيرات كثيرة. وعندما يصبح التلفزيون أداة اجتماعيّة، فذلك يعادل ظاهرة على مستوى كبير من فقدان الاستقلاليّة المعروفة في علم النفس المتعلّق بنمو الطفل في البداية حالة الالتحام مع العائلة، ثم يكبر بعدها ويقول "أنا" ويعارض. وهذا ما يعرف بالتفرّد أو التميّز عن الآخرين، لكن التلفزيون يخلق حالة التحام جديدة لا يستطيع الطفل فيها أن يقول "أنا" أو "لا" لأنّه في موقع المسيطر عليه"[18] وبذلك يفقد كل استقلاليته ويصبح عبارة عبدا لجهاز التلفاز.

ثامنا، قتل الإحساس جرّاء مشاهدة برامج العنف:

    من بين الطرق التأثيريّة الأخرى لوسائل الإعلام على سلوك الأفراد والجماعات هو قتل الإحساس تجاه الآخرين خاصة في حالة برامج العنف التي أصبحت اليوم تطغى بشكل بارز في جلّ البرامج التلفزيّة وخاصة المخصّصة منها للأطفال، فحسب دراسة إحصائيّة أوّليّة قمنا بها خلال سنة 2004- 2005 لأكثر القنوات التلفزيّة جاذبيّة من طرف الأطفال وهي قناة (S.toon) سجّلنا نسبة تجاوزت الـ80% من البرامج التي تتضمّن أعمال عنف وحروب. وتقريبا نفس النسبة أي 87.38% في برامج روتانا سينما، وعلى نفس المنوال تسير قناة ميلودي أفلام...  "وحسب دراسة أمريكيّة قامت بها ميديا سكوب Médiascope يتّضح أن 75 في المائة من أعمال العنف على الشاشة لا يعاقب أصحابها عليها. والأسوأ من ذلك أن فاعليها لا يهمّ إن كانوا شخصيات إيجابيّة أو سلبيّة في الشريط"[19]   "ففي عام 1990 وجدت الجمعيّة الوطنيّة لثقافة الصغار أن الأطفال الذين تعوّدوا على رؤية برامج العنف أصبحوا أقلّ إحساسا بآلام الآخرين، وقتل الإحساس يمكن يترجمه الطفل عبر سلوكيات مختلفة ومتطوّرة ومتصاعدة، إذ تبدأ باستعمالات اللفظيّة العنفيّة، ثم في مرحلة ثانيّة تتجه نحو الألعاب التي بحوزته أو بحوزة غيره، وتتطوّر شيئا فشيء لتنتقل إلى الواقع الفعلي مع بقية الأطفال، فـ أكّدتها عالمة النفس "لو لم يستطع الطفل التخلّص من مشهد عنف في التعبير عنه بالكلمات، أو باللعب، أو بالرسم، فلا شكّ أنّه سيعبّر عنه بالعمل"[20]

     وتذهب بعض الدراسات الأخرى إلى أنّ لجرائم القتل الناتجة عن فقدان الإحساس لها علاقة مباشرة بتأثير التلفاز، مثلما  ورد بالمجلّة الطبيّة JAMA في العدد10 يونيو 1992 دراسة إحصائية والتي أجراها B.S. Centerwall في قسم الأمراض النفسيّة وعلم السلوك في جامعة واشنطن بولاية سيتل، حيث تم جمع المعلومات بعد 40 عاما من الملاحظة التي تتعلّق بجرائم القتل في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وكندا وجنوب إفريقيا. وقدّم في هذه الدراسة العديد من الأرقام الدالة على العلاقة بين التلفاز وجرائم القتل، إذ بين عام 1945 و1974 ارتفع معدّل جرائم القتل عند البيض بنسبة 93 في المائة في الولايات المتّحدة وبـ 92 في المائة بالنسبة لكندا أمّا في جنوب إفريقيا، فقد انخفض هذا المعدّل بنسبة 7 في المائة. ولكن بعد عشر سنوات من دخول التلفزيون عام 1975 فقد ازداد هذا المعدّل بنسبة 130 في المائة...[21]

     ونفس الفكرة تقريبا نجدها عند عالمة النفس سيلفي منسور والتي تقول بأنّ من أهم مخلّفات تكرار مشاهد العنف لدى الأطفال والشباب هو فقدان الإحساس لديهم

     إضافة للطرق المذكورة في كيفيّة تأثير وسائل الإعلام على المتقبّلين، قدّم لنا عالم الوظائف النفسيّة توماس مولهولاند دراسة أجراها بمستشفى بيدفورد بالولايات المتّحدة، على المشاهدين الصغار عن طريق مسجّل لموجات الدماغ، فوجد أن الموجات من نوع "ألفا" هي الغالبة في الرسم الدماغي وهي أيضا الموجات الغالبة في حالة الاسترخاء (حيث لا نفكّر في شيء !).

     ففي هذه الحالة يكون الطفل أكثر عرضة للتأثر بما يعرض على شاشة التلفاز، وتنعدم لديه القدرة على المقاومة أو التمييز بين ما يحمله من قيم ومبادئ وبين ما يعرض عليه. ولهذا نتائج عدّة: أوّلا، وكما أكّده عالم فسيولوجيا الأعصاب البريطاني نورمان ديكسون أن الاستعداد لقبول الاقتراحات في هذه الحالة من الارتخاء النفسي والحسّي –التي هي بين اليقظة والنعاس- هي أكثر أهميّة من حالة اليقظة.. وثانيا، تزيد هذه الحالة من قابليّة ما يعرفه علماء النفس بسيكولوجيا الإعجاب الثانوي. التي تتم فيها –إلى درجة ما- العزلة الحسيّة بوساطة تركيز الحواس على شيء ثابت (مثل جهاز التلفزيون)[22].

-4-  نماذج مسجّلة عن التأثير المباشر لوسائل الإعلام على السلوك الإجرامي:

    سجّل العديد من الباحثين أمثلة حيّة للتأثير السلبي لوسائل الإعلام على السلوك الإجرامي، وكيفيّة استلهام فكرة الإجرام أو طرق تنفيذ العمليات الإجراميّة من إحدى وسائل الإعلام.

     ففي ألمانيا "ذبح السفاح الألماني " المشهور هايتريش" أوّل ضحاياه في إحدى الحدائق، وكان قد خرج لتوّه من دار السينما حيث شاهد فيلما يدعى "الوصايا العشر" ورأى النساء اليهوديات يرقصن حول "العجل الذهبي" فقرّر أن النساء هنّ الشرّ في العالم وخرج ليذبح المرأة المسكينة ليطهّر العالم في نظره من مصادر الشرّ".[23] وبنفس الفكرة والطريقة التي تضمنها الشريط المذكور.

    وفي مصر سجّل المختصون والباحثون العديد من الحالات التي استوحى فيها الجاني جريمته من الوسائل الإعلاميّة، فلقد ألقت الشرطة القبض على مجموعة من الشباب الذين احترفوا السلب والنهب، أكّدوا استلهامهم الفكرة من فيلم "أحنا التلامذة" بطولة شكري سرحان وأحمد رمزي.

     وفي نفس السياق وأثناء التحقيق مع إحدى الفتيات التي تمكّنت من السطو على أكثر من مليون جنيه. اعترفت بأنّها استوحت الفكرة من البرنامج الإذاعي "أجراس الخطر" وبلغت المفاجأة ذروتها حينما اعترف لصوص سيّارات البنك التي كانت تحمل مليونين من الجنيهات ومثلهما من الدولارات بأنهم استوحوا الفكرة من فيلم "المشبوه" لعادل إمام...

كما اعترف أحد النزلاء بالسجون المصريّة والمتّهم في سلسلة من الجرائم على الأشخاص والأملاك أنّه استوحى طرق تنفيذ عملياته الإجراميّة من فيلم "بطل النهاية" لفريد شوقي.[24]

   وفي تونس خلال شهر مارس 2006 وقعت بمدينة قابس جريمة سطو على طبيب قام بها 3 تلاميذ بعد أن استوحوا فكرة السطو وكيفيّة ارتكاب الجريمة من شريط سينمائي كانوا قد شاهدوه خلال تلك الفترة...[25]

 

 

 

-5- الإعلام بين مقولة الحريّة والمحدّدات القانونيّة :

    لقد كثرت الاتهامات الموجهة لوسائل الإعلام والعلاقة التي تربطها بالظواهر الإجراميّة وتأكيد بعض الدراسات بأنّ نشر أنباء الجرائم والأحداث الإجراميّة بأسلوب مثير من شأنه أن يوقظ لدى المتقبّل وخاصة الفئات الشبابيّة "دوافع كامنة، وتحرّك فيهم غرائز مختلفة ممّا يدفعهم إلى ارتكاب الجرائم".[26]

   وفي المقابل ويرى البعض أن الخطر لا يكمن في نشر أخبار الجرائم والمحاكم، وجعلها مادة إخباريّة، فبما أنّها تنضوي ضمن جملة ما يحدث في المجتمع وبما أن وسائل الإعلام هي عبارة عن مرآة حقيقيّة للمجتمع لذلك لا مانع في أن تكون الجرائم وكوارث المجتمع من بين المواد الأساسيّة لهذه الوسائل، ولكن الخطر الحقيقي يكمن في كيفيّة صياغة وتناول الأخبار الإجراميّة وهو نفس الموقف الذي دعا إليه الكاتب حسين عبد القادر حين قال: "الخطر الأكبر في نظرنا ليس في نشر الجريمة وإنّما في طريقة عرضها والأسلوب الذي تكتب به والصور الفوتوغرافيّة التي تصاحبها... إنّ من حق الصحافة أن تصوّر شرور المجتمع ولكن من واجبها أيضا أن تحمي المجتمع والشباب من أضرار النشر القائم على الإثارة والتشهير"[27]

    لأجل ذلك فرضت العديد من الدول قيودا قانونيّة ترافقها عقوبات زجريّة على كل وسائل الإعلام بما فيها الصحف والتلفاز وقاعات السينما، على اثر الانتقادات التي وجّهت لوسائل الإعلام..

    وقد ذكر الدكتور علي بن فايز أهميّة العناية بوسائل الإعلام والعلاقة التي تربط المؤسسات الإعلاميّة بالمؤسسات الأمنيّة ويقول في هذا الإطار "... ونظرا لتأثير أجهزة الإعلام على اتجاهات وسلوك الأفراد وخاصة في محيط الأحداث والشباب. فإنّ بعض ما يعرض أو ينشر أو يذاع يترك تأثيرا سلبيّا خطيرا على تربيّة النشء وعلى الأمن وسلامة المجتمع، لذا يصبح من المناسب إحاطة الأجهزة المسؤولة عن الرقابة بأبعاد وأخطار هذه الاتجاهات، والتعاون معها على تقديم الصورة التي تسهم في بناء المجتمع بناء سليما"[28]

    ولكن القيود القانونيّة ظلّت محدودة إذ أغلبها تقتصر إمّا على إلزام الصحيفة مثلا بعدم ذكر اسم الجاني أو المجني عليه، أو تحديد سن المتّهم الذي لا يجب ذكره في التغطيّة الإعلاميّة للأحداث الإجراميّة، أو منع استعمال آلات التسجيل والتصوير في قاعات المحاكم، ونذكر على سبيل المثال:

* القانون التونسي:

     بالنسبة للقوانين التونسيّة، وتحديدا "مجلة الصحافة" في صورتها الأخيرة والمنقحة،  فإنّنا أقل ما يمكن قوله هو أنّ المشرّع التونسي لم يهتم بجانب الإعلام الإجرامي أو ما يسمى بالقضاء الإعلامي، إذ لا نكاد نجد أي نص من شأنه أن يحدّد الضوابط القانونيّة للصحافيين حين تناولهم لمسألة أخبار الجريمة، فباستثناء الفصل 63 والذي يقول "يحجر نشر قرارات الاتهام وغيرها من الأعمال المتعلّقة بالإجراءات الجزائيّة قبل تلاوتها في جلسة عموميّة ويعاقب مرتكب ذلك بخطيّة من 120 دينار إلى 1200 دينار.

   ويسلّط نفس العقاب على من ينشر بطريقة النقل مهما كانت الوسائل لا سيما بالتصوير الشمسي أو النقوش المصوّرة أو الأفلام، كل أو بعض الظروف المحيطة بإحدى الجرائم أو الجنح المنصوص عليها بالفصول 201 إلى 240 بدخول الغاية من المجلة الجنائيّة.

بيد أنّه ليس هناك جريمة إذا ما كان النشر قد وقع بناء على طلب كتابي صادر عن الحاكم المكلّف بالتحقيق ويضاف المطلب المذكور إلى ملف التحقيق العدلي."

 كما تضمّن الفصل 64 من مجلة الصحافة بدوره بعض الإشارات القانونيّة للإعلام الإجرامي إذ يقول "... ويحجر أيضا نشر أسرار مفاوضات الدوائر والمحاكم. ويحجر أثناء المداولات وداخل قاعات جلسات المحاكم استعمال أجهزة التسجيل الصوتي وآلات التصوير الشمسي أو السنماتوغرافي إلاّ إذا صدرت في ذلك رخصة من السلطة القضائيّة ذات النظر. وكل مخالفة لهذه الأحكام يعاقب عنها بخطيّة من 120 إلى 1200 دينار مع حجز الوسائل المستعملة لذلك الغرض."

    لقد ركّز المشرّع التونسي على نوعيات من الجرائم، من الصعب جدّا الاستفادة منها ضمن هذا البحث مثل "جريمة التحريض" الواردة في الفصل 42 والفصل 43 و"جريمة النيل من كرامة رئيس الجمهوريّة" الواردة في الفصل 48 و"جريمة نشر الأخبار الزائفة" الواردة في الفصل 49 و"جريمة الثلب" الواردة في الفصل 50 و"جريمة الشتم" الواردة في الفصل 54. فباستثناء جريمة نشر الأخبار الزائفة فإنّ بقيّة الجرائم الأخرى لا علاقة لها بالإعلام الإجرامي.

* القانون الأنجليزي:

    أمّا المشرّع الأنجليزي فقد وضع جملة من المحدّدات والضوابط القانونيّة للإعلام الإجرامي، "ففي أنجلترا مثلا ليس من المحظور كتابة تقارير عن دعاوي الأحداث ولكن بقيود خاصة، مثل نشر أيّة معلومات تكشف عن شخصيّة المتّهمين الذين تقل أعمارهم عن 16 سنة. وهذا القيد ينطبق أيضا على الشهود في محاكم الأحداث في مثل هذا السنّ"[29]

* القانون الفرنسي:

        لا يختلف القانون الفرنسي كثيرا القانون الأنجليزي المذكور، إلاّ في السن الذي حدّده بـ18 سنة عوضا عن 16 سنة أو في تناوله لمسألة صور المتّهمين. "ففي فرنسا أيضا لا يجوز نشر تقارير عن قضايا الشباب الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، كما لا يجوز نشر صورة أو صور الأعمال التي قبض عليهم من أجلها، وإنّما يسمح فقط بنشر الحكم والحروف الأولى من أسماء المتّهمين"[30].

ومن بين أهم ما تضمّنته النصوص القانونيّة المقيّدة لوسائل الإعلام في تناولها للظواهر الإجراميّة نجد:

- أخبار حول كيفيّة هروب الجناة من السجن أو مراكز الاعتقال.

- الأخبار المتعلّقة بالاعتداءات على رجال الأمن أو كيفيّة مقاومتهم

- الثلب والتشهير بالأشخاص.

-6- أهم الدراسات العلميّة التي تناولت علاقة الظاهرة الإجراميّة بالمؤسسة الإعلاميّة:

     نظرا للعلاقة القائمة بين وسائل الإعلام والظواهر الإجراميّة أجرى العديد من الباحثين دراسات ميدانيّة وإحصائيات هامة حول قوّة العلاقة بينهما، فمثلا "يضرب تشارترز أمثلة عديدة من دراساته حول دور التلفزيون في تلويث بيئة الطفل والمراهقين قائلا:... إنّ إثارة الغرائز الجنسيّة وعرض مناظر الداعرة على المشاهدين وتفجير الشهوات الجنسيّة للمراهقين تضرّ بجمهور الأطفال ضررا بالغا، وفي إحصائية استخلصها هذا الباحث من مجموعة الأفلام التي تعرض على الأطفال عالميّا وجد أنّ:

   - 29.6 % منها تتناول موضوعات جنسيّة.

   - 27.4 % منها تتناول مواضيع الجريمة.

   - 15 % منها حول الحب بمعناه الشهواني المكشوف.[31]

كما توصّل أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة كاليفرنيا "رودريك جورني في دراسته حول العلاقة بين العنف ووسائل الإعلام "إلى أن الأشخاص الذين يشاهدون نسبة كبيرة من برامج العنف يميلون بالفعل إلى العنف في سلوكهم، بينما يميل مشاهدي البرامج الاجتماعيّة والإنسانية إلى سلوك أكثر اتزانا.[32]

    وتؤكّد إحصائيّات اليونسكو خطورة انتشار ظاهرة الإدمان على التلفاز، "ففي دراسة أجرتها اليونسكو مؤخّرا حول معدّلات التعرّض للتلفزيون لدى الأطفال والصبية العرب، تبيّن منها أن الطالب قبل أن يبلغ الثامنة عشر من عمره يقضي أمام التلفزيون اثنين وعشرين ألف (22000) ساعة، في حين أنّه في هذه المرحلة من العمر يقضي أربعة عشر ألف (14000) ساعة في قاعات الدرس.[33]

    كل هذه التجارب البحثيّة والدراسات العلميّة المهتمة بقضيّة العلاقة بين وسائل الإعلام والظواهر الاجتماعيّة وخاصة الإجراميّة، تجعلنا نتأكّد من احتياج الساحة العلميّة والسوسيولوجيّة لتأسيس وتدعيم التخصّصات العلميّة القادرة على تقديم إضافة في هذا الغرض.   

 

 -II-  قراءة سوسيولوجيّة للصحف التونسيّة: حادثة سليمان نموذجا

     انطلاقا من النموذج الذي وضعه عالم الاجتماع الأمريكي هارولد لازويل Harold Lasswell، والقائم على خمسة تساؤلات (من؟ يقول ماذا؟ بأي وسيلة؟ لمن؟ وما هو التأثير؟)  

    سنحاول في هذا الجزء الثاني من البحث أو القراءة السوسيولوجيّة القيام برصد عينة من الصحف التونسيّة، ولكن نظرا لطبيعة موضوع بحثنا فإنّنا خيّرنا صياغة نموذج آخر نستهدف من وراءه رصد محتوى الرسالة الإعلاميّة دون الاهتمام بالبعد التأثيري لها، ليصبح النموذج المقترح يقوم على خمسة أسئلة وهي على النحو التالي:

ماذا (حدث)؟

متى (وقع حدث)؟

أين (وقع الحدث)

من (قام بالحدث)؟

لماذا (وقع الحدث)؟  

  فبقدر ما تقترب الرسالة الإعلامية المتعلّقة بحادثة الضاحية الجنوبية للعاصمة (تونس) من هذا النموذج المقترح، بقدر ما تستجيب هذه الرسالة لتطلعات الجمهور الذي حاول تتبع أخبار الحادثة المشار إليها. وفي المقابل، بقدر ما ابتعدت الرسالة الإعلاميّة عن هذا النموذج، إلاّ وكانت سببا لخلق لدى المتقبّل ما يمكن تسميته بالروايات الشخصيّة أو الإشاعات حول الظاهرة المدروسة (حادثة سليمان). أمّا الطريقة المعتمدة في الرصد فتتمثل في إحصاء عدد الكلمات التي تم استعمالها من طرف الصحفي للإجابة على كل سؤال من هذا النموذج المقترح[34].

-1- وكالة الأنباء التونسيّة (وات) / الإعلان الرسمي

     صدر عن وزارة الداخليّة التونسيّة ثلاثة إعلانات رسميّة تتعلّق  بالحادثة المذكورة إضافة إلى إعلان رسمي يوم 11 جانفي للرد على بيان نسب لـ"شباب التوحيد والجهاد بتونس". والملاحظة الأوّلية المتعلّقة بإعلانات  وكالة الأنباء التونسيّة هي أنّ عدد الكلمات المستعملة لم تتجاوز الـ104 كلمة (40 كلمة في الإعلان الأوّل و30 كلمة في الإعلان الثاني و34 كلمة في الإعلان الثالث)، كما أن التركيز الكلي كان من أجل الإجابة عن السؤال الأوّل (ماذا حدث) وذلك بنسبة 65.38% ثم السؤال الثاني (متى وقع الحدث) بنسبة 14.42% ثم السؤال الثالث (أين وقع الحدث) بنسبة 10.58% ثم السؤال الرابع (من قام بالحدث) بنسبة 9.62% ، أمّا السؤال الخامس (لماذا وقع الحدث) فلم تجب عنه كل إعلانات وكالة الأنباء التونسيّة. كما أنّ نسبة 9.62% والمتعلّقة بالسؤال الرابع فإنّها كانت ألفاظ غامضة أكثر منها أجوبة عن سؤال، من قبيل "مجموعة أنفار" أو "مجرمين خطرين مفتّش عنهم" أو "مجموعة إجراميّة". وبذلك اقتصرت الإعلانات الرسمية على الإجابة عن الأسئلة الثلاثة الأولى فقط. إضافة إلى ذلك تميّز التصريح الثاني الصادر يوم 3 جانفي والتصريح الثاني الصادر يوم 4 جانفي بالغموض والتناقض، فالأوّل أعلن عن أن "تبادل لإطلاق النار أدى إلى مقتلهم" جميعا، في حين الثاني يعلن عن قتل 12 فردا وإيقاف 15 المتبقين. وهذا التناقض والغموض الوارد في الإعلانات الرسمية كان سببا رئيسيّا في انتشار الروايات الشعبية والتأويلات المتضاربة سواء أكانت المتناقلة بين أفراد المجتمع أو ما وقع نشره بالصحف التونسيّة وغيرها. كما لعب الإعلام البديل والمتمثل بشكل أساسي في الانترنت دورا رئيسيّا في نشر هذه الروايات والإشاعات.

-2-  ما مدى استجابة الصحف التونسيّة لأسئلة النموذجية المقترحة؟؟؟

·       السؤال الأوّل، ماذا (حدث)؟

    حاولت كل الصحف التي رصدناها الإجابة عن السؤال الأوّل، حيث سجّلنا 4274 كلمة استعملت لهذا الغرض تراوحت النسبة المائوية في حدود 77.15%،  وتصدّرت صحيفة "الصباح" الصدارة وذلك بنسبة  85.05% ثم تلتها الصريح (80.32%) ثم أخبار الجمهوريّة (80.12%).. وأقل نسبة وجدنا في صحيفة الشروق (70.65%). وأغلبها كانت عبارة عن إعادة صياغة الروايات التي تناقلتها ألسن المواطنين بعد التعديلات المحدثة فيها.  

 

الصحيفة

عدد الكلمات

الـ %

الإعلان

965

76,89

الصريح

302

80,32

أخبار الجمهورية

395

80,12

الصباح

1155

85,05

 الصباح الأسبوعي

304

71,36

الشروق

1153

70,65

ماذا حدث؟

 
 

 

 

 

 

 

 


  

·       السؤال الثاني، متى (وقع حدث)؟

لم نسجّل أكثر من 199 كلمة استعملت لغرض الإجابة عن السؤال الثاني، ولم تتجاوز النسبة الإجماليّة للصحف المرصودة الـ 3.59%. احتلت فيها صحيفة الشروق الصدارة بنسبة 4.84%، ثم الصباح الأسبوعي (3.99%) ثم الصريح (3.72%) ثم الإعلان (3.27%) ثم الصباح (2.87%) وأخيرا وجدنا "أخبار الجمهوريّة" بنسبة 1.83%. وفي العموم لم نسجل تناقضات كبرى بين الصحف التونسيّة في الإجابة عن هذا السؤال والتي كانت فيها النسب متقاربة نسبيّا.

 

 

الصحيفة

عدد الكلمات

الـ %

الإعلان

41

3,27

الصريح

14

3,72

أخبار الجمهورية

9

1,83

 الصباح

39

2,87

الصباح الأسبوعي

17

3,99

الشروق

79

4,84

 

 

متى وقع الحدث؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


·       السؤال الثالث، أين (وقع الحدث)

للإجابة عن السؤال الثاني استعملت الصحف المرصودة 260 كلمة ولم تتجاوز نسبتها الـ 4.69% من جملة الكلمات المستعملة، وأعلى نسبة وجدناها في صحيفة "أخبار الجمهوريّة" بنسبة 8.72% ثم تلتها "الصباح الأسبوعي" (7.04%) والإعلان (6.06%)... وأقل نسبة سجّلت في صحيفة "الصباح" والتي لم تتجاوز الـ1.18%.  

 

 

الصحيفة

عدد الكلمات

الـ %

الإعلان

76

6,06

الصريح

14

3,72

أخبار الجمهورية

43

8,72

الصباح

16

1,18

الصباح الأسبوعي

30

7,04

الصحيفة الشروق

81

4,96

 

 

أين وقع الحدث؟

 

أين وقع الحدث

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


·       السؤال الرابع، من (قام بالحدث)؟

نلاحظ من خلال النتائج الإحصائيّة المسجلة اهتماما خاصا من قبل الصحف المرصودة للإجابة عن هذا السؤال مقارنة ببقية الأسئلة، إذ سجّلنا 653 كلمة من جملة 5540 كلمة استعملت في تغطية الحادثة الأخيرة، أي بنسبة 11.79%. تصدّرت صحيفة "الشروق" طليعة الصحف المرصودة وذلك بنسبة 16.54% ثم تلتها "الصباح الأسبوعي" (13.62%) ثم "الإعلان" (12.27%) ثم "أخبار الجمهورية" (8.52%) ثم "الصباح" (7.66%) وأخيرا "الصريح" بنسبة 6.65%.

 

 

الصحيفة

عدد الكلمات

الـ %

الإعلان

154

12,27

الصريح

25

6,65

أخبار الجمهورية

42

8,52

الصباح

104

7,66

الصباح الأسبوعي

58

13,62

الشروق

270

16,54

 

 

من قام بالحدث؟

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


  وما تجدر الإشارة إليه من خلال الجدول الإحصائي والرسم البياني هو أنّ النتائج الإحصائيّة المسجلة لا تكشف حقيقة استجابة الصحف التونسيّة للسؤال الرابع (من قام بالحدث)، بل ساهمت في تغذية ونشر التأويلات والروايات الشعبية منها وغير الشعبية، ويمكن الإشارة إلى ثلاث ملاحظات أساسيّة:

  أوّلا، في أوّل مقال لصحيفة "الشروق" والصادرة يوم 26 ديسمبر قدّمت لنا تحقيقا صحفيّا مفصّلا عن الحادثة، حيث حدّد منجي خضراوي (صاحب المقال) هوية "المجرمين الخطيرين" ونعتهم بـ" عصابة دولية تنشط في مجال المخدّرات "، وذلك وفقا لما أكدته له مصادر رسميّة... ثم بعد ذلك تراجعت الصحيفة عن ربط الحادثة بعصابة مخدرات دون أن تقدّم أي اعتذار لقرائها، بل صاحب المقال نفسه تراجع عن ذلك في مقاله الصادر يوم 12 جانفي ولم يقدّم أي اعتذار أو تصحيح...

ثانيا، إنّ الارتفاع النسبي للألفاظ المستعملة للإجابة عن سؤال "من قام بالحدث" لا يعني بالضرورة الإجابة عن السؤال، فالكثيرا من الألفاظ الواردة بالصحف المذكورة طغت عليها الضبابيّة والغموض والتي لم ترتق إلى مستوى الإجابة عن السؤال المطروح (من قام بالحدث؟) على غرار ".. هذه الشرذمة الخطيرة من عشّاق الظلام وعبدة الإيديولوجيات الفاسدة"[35] أو "عصابة خطيرة"[36] أو "مجموعة مسلحة... يتعلّق الأمر بإحدى المجموعات السلفية"[37]...

ثالثا، حاولت بعض الصحف ملء الفراغ المتعلّق بالإجابة عن هذا السؤال من خلال التركيز على عنصرين من المجموعة وهو ربيع باشا  ولسعد ساسي مثل القول "زعيم العصابة كان موظفا بأحد الأسلاك العمومية وغادر الوظيفة وتدرّب بأفغانستان ثم عاد على رأس عصابة لتونس"[38] أو "ربيع باشا ابن الاثنين وعشرين ربيعا"[39]... دون تقديم توضيحات أخرى عن بقية المجموعة المشاركة في الحادثة.

·       السؤال الخامس، لماذا وقع الحدث؟

إذا كانت الإعلانات الرسمية الثلاثة الأولى والواردة بوكالة الأنباء (وات) تجاهلت بشكل واضح الإجابة عن هذا السؤال، فإنّ الصحف التونسيّة بدورها لم تتمكّن هي الأخرى من الإجابة عنه، إذ شكّل خطا أحمر حاولت الابتعاد عنه قدر الإمكان. لأجل ذلك سجّلنا أقل نسبة من الكلمات المستعملة لهذا الغرض والتي لم تتجاوز الـ 154 كلمة من جملة 5540 كلمة، ولم تتجاوز نسبتها الـ 2.78%، تجرأت صحيفة "الصريح" أكثر من غيرها من الاقتراب من هذا الخط الأحمر وذلك بنسبة 5.59% ثم تلتها "الصباح الأسبوعي" (3.99%) ثم "الصباح" (3.24%) ثم "الشروق" (3%) وأقل نسبة كانت في صحيفة "أخبار الجمهوريّة" (0.81%) وكذلك "الإعلان" (1.51%).

   كما تجدر الإشارة إلى ملاحظة أساسية وهي أنّ العبارات والألفاظ المستعملة لم ترتق هي الأخرى إلى مستوى الإجابة عن سؤال "لماذا وقعت الحادثة" أو الهدف من الحادثة، مثل "مخطط إجرامي وإرهابي يستهدف تقويض أمن واستقرار البلاد"[40]  أو "تنفيذ عمليات إرهابية بتونس"[41] أو "للنيل من وطننا ومن مكاسبه وانجازاته"[42]...

 

 

 

الصحيفة

عدد الكلمات

الـ %

الإعلان

19

1,51

الصريح

21

5,59

أخبار الجمهورية

4

0,81

الصباح

44

3,24

الصباح الأسبوعي

17

3,99

الشروق

49

3,00

 

لماذا وقع الحدث؟

 
 

 

 

 

 

 


 

 

 

  

 

 

حوصلة عامة

   حاولنا من خلال الجزء الأوّل من دراستنا التركيز على البعد التأثيري لوسائل الإعلام على المتقبّلين للرسائل الإعلاميّة، وخاصة علاقتها بانتشار وتغذيّة الظواهر الإجراميّة، مستعينين في ذلك ببعض الدراسات أكانت متعلّقة بعلم النفس، أو علم الاتصال أو علم الاجتماع.

  أمّا الجزء الثاني منها، فقد اعتمدنا بشكل أساسي على نموذج سبق أن استعمله  عالم الاجتماع الأمريكي هارولد لازويل Harold Lasswell، وحاولنا تطبيقه في رصدنا للصحف التونسيّة عند تناولها حادثة "سليمان" بعد التعديلات التي قمنا بها على النموذج المذكور.

  واستهدفنا من وراء هذه الدراسة، سواء من خلال الجزء الأوّل أو الثاني، التأكيد على أن دور علم الاجتماع لا يرتبط فقط بالمقاربات التفسيريّة والتحليليّة للظواهر الاجتماعيّة، أو المقاربات التفهميّة... بل يمكن لعلم الاجتماع عبر آليات بحثه وتقنيات عمله أن يقدمّ إضافته عبر ما يمكن تسميته بـ "المقاربات التقييميّة" والرصديّة. كما أنّنا لا نقدّم النموذج الذي اعتمدنا في الجزء الثاني من البحث كنموذج نهائي، بل يبقى نموذج افتراضيّا أو تجريبي قابلا للتعديل والإضافة.

 

المراجع

محمد عبد المولى "عصر الصحافة العملاقة" دار الصيّاد. بيروت .1991.

أديب مرّة "الصحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها"، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت 1971.

انشراح الشال "دراسات في علم الاجتماع الإعلامي: مدخل إلى علم الاجتماع الإعلامي" مكتبة نهضة الشرق جامعة القاهرة 1985

صباح توجاني "التناول الإعلامي لقضاء الإجرام في تونس: تحليل مضمون ركن القضاء بالصحافة اليوميّة والأسبوعيّة"رسالة خدم الدروس الجامعيّة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، 1991- 1992

د. علي بن فايز "الإعلام الأمني والوقاية من الجريمة" – أكاديميّة نايف العربيّة للعلوم الأمنيّة – مركز الدراسات والبحوث الرياض عدد 204 سنة 2000  -عن مجلّة الشرطة، الإمارات عدد 90 .

ليليان لورسا مجلّة ثقافة عالميّة، ترجمة محمد قصيبات، العدد89 -1998 .

صحيفة "الشروق" الصادرة  يوم  28- 03- 2006

لطفي سعيد صحيفة  "الإعلان" الصادرة يوم الجمعة 12 جانفي 2007

صحيفة "أخبار الجمهورية" الصادرة يوم 28 ديسمبر 2006

سفيان الأسود صحيفة "الشروق" الصادرة يوم 9 جانفي 2007

صحيفة "الصباح الأسبوعي" الصادرة يوم 8 جانفي 2007

برهان بسيس صحيفة  "الصباح" الصادرة يوم 14 جانفي 2007

نور الدين عاشور صحيفة "الصباح" الصادرة يوم 16 جانفي 2007

كمال الطرابلسي صحيفة "الصباح" الصادرة يوم 7 جانفي 200



[1]  هذه الورقة هي عبارة عن مقتطف من دراسة سوسيولوجيّة  تنضوي ضمن مشروع المساهمة في تأسيس "سوسيولوجيا الإعلام الإجرامي".

[2]  بيار ألبير "الصحافة" ترجمة محمد برجاوى –منشورات عويدان، بيروت – لبنان .ص 8.

[3]  محمد عبد المولى "عصر الصحافة العملاقة" دار الصيّاد. بيروت .1991. ص33 .

[4]  أديب مرّة "الصحافة العربيّة نشأتها وتطوّرها"، منشورات دار مكتبة الحياة بيروت 1971.

 

[5]    الدكتورة انشراح الشال "دراسات في علم الاجتماع الإعلامي: مدخل إلى علم الاجتماع الإعلامي" مكتبة نهضة الشرق جامعة القاهرة 1985 ص5.

[6]  المرجع السابق، ص32

[7]  السيدة صباح توجاني في رسالة خدم الدروس الجامعيّة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، تحت عنوان "التناول الإعلامي لقضاء الإجرام في تونس: تحليل مضمون ركن القضاء بالصحافة اليوميّة والأسبوعيّة" 1991- 1992 ص.16.

[8]   السيدة صباح توجاني نفس المرجع ص.16.

[9]   د. علي بن فايز: "الإعلام الأمني والوقاية من الجريمة" – أكاديميّة نايف العربيّة للعلوم الأمنيّة – مركز الدراسات والبحوث الرياض عدد 204 سنة 2000 ص134 -عن مجلّة الشرطة، الإمارات عدد 90 .

[10]   د. علي بن فايز: "الإعلام الأمني والوقاية من الجريمة" – أكاديميّة نايف العربيّة للعلوم الأمنيّة – مركز الدراسات والبحوث الرياض عدد 204 سنة 2000 ص172.

[11]   د. علي بن فايز: "الإعلام الأمني والوقاية من الجريمة" – أكاديميّة نايف العربيّة للعلوم الأمنيّة – مركز الدراسات والبحوث الرياض عدد 204 سنة 2000 ص155.

[12]  المصدر السابق.ص154.

[13]   المصدر السابق.ص155.

[14]   ليليان لورسا عالمة النفس في المركز الوطني للبحث العلمي، أثناء لقاء مع جان ريمي ديلياج –"مجلّة ثقافة عالميّة" ترجمة محمد قصيبات، العدد89 -1998 .ص146.

[15]  المصدر السابق. ص161.

[16]  المصدر السابق. ص162.

[17]  ليليان لورسا عالمة النفس في المركز الوطني للبحث العلمي، أثناء لقاء مع جان ريمي ديلياج –"مجلّة ثقافة عالميّة" ترجمة محمد قصيبات، العدد89 -1998 .ص146.

[18]   ليليان لورسا عالمة النفس في المركز الوطني للبحث العلمي، أثناء لقاء مع جان ريمي ديلياج –"مجلّة ثقافة عالميّة" ترجمة محمد قصيبات، العدد89 -1998 .ص146.

[19]   مجلّة ثقافة عالميّة. ترجمة محمد قصيبات، العدد89 -1998 .ص152.

[20]   ليليان لورسا مجلّة ثقافة عالميّة. ترجمة محمد قصيبات، العدد89 -1998 .ص153.

[21]    مجلّة ثقافة عالميّة. ترجمة محمد قصيبات، العدد89 -1998 .ص154-155.

[22]    أنظر مجلّة "الثقافة العالميّة" عدد 89 يوليو –أغسطس 1998 ص140-141.

[23]   المصدر السابق. ص 155- 156.

[24]  أنظر المصدر السابق. ص  166 -167.

[25]  انظر صحيفة الشروق بتاريخ 28- 03- 2006 ص19

[26]  مجلّة "الثقافة العالميّة" ، المصدر السابق. ص152.

[27]     السيدة صباح توجاني في رسالة خدم الدروس الجامعيّة بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار، تحت عنوان "التناول الإعلامي لقاض الإجرام في تونس: تحليل مضمون ركن القضاء بالصحافة اليوميّة والأسبوعيّة" 1991- 1992 ص.16.

[28]    د. علي بن فايز: "الإعلام الأمني والوقاية من الجريمة" – أكاديميّة نايف العربيّة للعلوم الأمنيّة – مركز الدراسات والبحوث الرياض عدد 204 سنة 2000 ص135 - عن مجلّة الشرطة، الإمارات عدد 88 ص21.

[29]    المصدر السابق. ص 152.

[30]   المصدر السابق. ص 152.

[31]    المصدر السابق .ص163.

[32]   المصدر السابق .ص164- 163.

[33]   المصدر السابق .ص171.

[34]  هذه التقنية يتم استعمالها اليوم من قبل المنظمة العالمية لدعم الإعلام، والمجموعة العربيّة لمراقبة آداء الإعلام وغيرها من المنظمات  في رصد وسائل الإعلام خاصة  أثناء الحملات الانتخابيّة.

[35]  لطفي سعيد "الإعلان" الجمعة 12 جانفي 2007

[36]  "أخبار الجمهورية الصادرة يوم 28 ديسمبر 2006 ص5

[37]  سفيان الأسود "الشروق" الصادرة يوم 9 جانفي 2007

[38]  حافظ "الصباح الأسبوعي" الصادرة يوم 8 جانفي 2007

[39]  برهان بسيس "الصباح الصادرة يوم 14 جانفي 2007

[40]  سفيان الأسود "الشروق" 9 جانفي 2007

[41]  نور الدين عاشور "الصباح" الصادرة يوم 16 جانفي 2007

[42]  كمال الطرابلسي "الصباح" الصادرة يوم 7 جانفي 2007


التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...