https://www.facebook.com/nasr.sami.397/

vendredi 23 avril 2021

جرائم النصب والاحتيال تغزو مجتمعنا

 


جرائم النصب والاحتيال تغزو مجتمعنا


 

تعدّدت في الفترة الأخيرة جرائم النصب والاحتيال وتنوّع ضحاياهم، إذ لم يعد مقتصرا على الفئات الاجتماعيّة الفاقدة لما يسميّه بيار بورديو بالرأسمال الثقافي والرأسمال الاقتصادي، وأصبحنا نجد من بين الضحايا أصحاب رؤوس الأموال وخرّيجي الجامعات، إضافة للفئات الضعيفة.

ويتسم النصب والاحتيال عن بقيّة الجرائم الأخرى بشيء من الطرافة، منها ما يعود لشخصيّة المحتال وبراعته في إتقان "فن الاحتيال"، ومنها ما يرتبط مباشرة بشخصيّة الضحيّة كالغباء والطمع وحب الاستثراء بطريقة سريعة وغير مكلّفة... فإذا كان ضحيّة السارق مثلا تسلب ممتلكاتها بغير إرادة منها، فإنّ للنصّاب أو المحتال من الحيل ما يجعل ضحيته يسلّمه بنفسه ما بحوزته باختياره ورضاه. وهذه الطرافة الكامنة في جرائم التحيّل والنصب دفعت العديد من الصحف إلى المراهنة عليها في التوزيع والتسويق خاصة عند وضعها لعنوانين مثيرة وبالصفحة الأولى.

ولفهم خصائص جرائم النصب والاحتيال قمنا بجمع 55 قضيّة من هذا النوع تم ارتكابها وتداولتها الصحف التونسيّة، أدين فيها 120 متّهما ومتّهمة. وتظهر من خلال قراءتها أهم مميّزات المحتال أو النصّاب والتي كانت على النحو التالي:

-       بالنسبة لمعدّل السن، سجلنا هيمنة واضحة للكهول مقارنة بالفئات العمريّة الأخرى، إذ بلغ عددهم الـ58 متّهما أي بمعدّل 70.83% من جملة المتّهمين في قضايا التحيّل والنصب.

-       أمّا بالنسبة للجنس فلاحظنا ضعف عدد الجرائم المرتكبة من قبل الإناث، إذ لم تتجاوز نسبتها الـ 9.16%، وظلّ نشاط تحيّلها مقتصرا على انتحال صفة عرّافة أو المشاركة في التحيّل على المؤسسات والشركات.

 أمّا بالنسبة للخصائص فنذكر:

حسن اختيار سذاجة الضحية: ومن بين القضايا المسجّلة في هذا الغرض تحدّثت احدى الصحيف عن "عرّافة تبتزّ عزباء بالحيلة"، حيث طلبت منها 700 دينار لإرضاء ملك الجان "همروش" وإحضار دجاجة حمراء وقطعة قماش لفك عقدتها المتمثلة في تأخير سن الزواج. كما تحدّثت صحيفة "أخرى عن حلاّق تحوّل إلى عرّاف لـ  يوهم امرأة مريضة "بأن جسدها يسكنه 12 جنيّا لينفذ غاية دنيئة"، وأقنعها بضرورة ملامسة مناطق حسّاسة من جسدها طيلة 12 يوما.

 ومن بين القضايا التحيّليّة الناتجة عن الطمع والرغبة في التملّك نذكر قضيّة  "وزراء وجنرالات أفارقة وهميون يتحيّلون على رجال أعمال تونسيين"، أو قضيّة المتحيّل الذي يشتري 29 جهاز تلفاز "مجانا" من تاجر ويبيعها بمقابل 61 ألف دينار بعد أن أوهمه بأنّه وكيل شركة وعرض عليه صفقة مغريّة، وتحدثت صحيفة  أخرى عن متحيّلين يوهمون رجل أعمال بكميّة من الذهب ويطلبون منه أربعين ألف دينار ثم قتلوه بحجر بعد أن استحوذوا على المبلغ المطلوب.

سرعة البداهة واستغلال الظروف المواتية، فأحيانا لا يبحث المتحيّل عن ضحيّته أو عن أسلوبه في التحيّل بل يبقى ينتظر فريسته حتى تأتيه مصادفة، ومن الأمثلة على ذلك ما ورد بإحدى الصحف "اليومية" عن رجل سأل متحيّلا عن عنوان إحدى الضيعات لبيع الطماطم فأعلمه بكل ثقة في النفس أنّه هو صاحب تلك الضيعات وباع له محصول الطماطم دون أن يثير أي شكّ لدى ضحيته...

يملك قدرة فائقة على التمثيل وأداء الأدوار الاحتياليّة، كثيرا ما يراهن المتحيّل والنصّاب في إقناع ضحيّته على مظهره الخارجي كالهندام والإيهام بالثراء... فقد ذكرت إحدى الصحف "اليومية" قصة "الإطار السامي" الذي تخصّص في سلب سائقي التاكسي بعد أن يوهمهم من خلال هندامه وطلاقته في استعمال اللغة الفرنسيّة بأنّه إطار سام ثم يطلب منه إيصاله إلى مكان بعيد ليختلي به ويسلبه ما بحوزته.

الذكاء الحاد، يتوقّف نجاح أي متحيّل أو نصاب على حدّة ذكائه، وبراعته في استعمال الأساليب المتطوّرة والمبتكرة. فحسبما تحدّثت إحدى الصحف "الأسبوعية" تمكّن تلميذ تونسي من اقتحام موقع فرنسيّ للتجارة الالكترونيّة ليتحيّل على 19 شخصا"، وتم اكتشافه عبر الانتربول.

المعرفة الجيّدة بالضحيّة، تعتبر معرفة درجة احتياج الضحيّة الشرط الأساسي لنجاح المتحيّل، فمع تفاقم ظاهرة بطالة خرّيجي الجامعات ولهفتهم على البحث عن الشغل، وجد بعض المتحيّلين فرصتهم في استغلال هذه الفئة رغم مستواها التعليمي، فقد ورد بإحدى الأسبوعيات أن "شابا مراوغا يتحيّل على خرّيجي الجامعات والمتنازعين بدعوى حل مشاكلهم!"، إذ ارتكب المتحيّل سلسلة من القضايا بعد إيهام ضحاياه بتمكينهم من شغل من خلال علاقته ببعض المسؤولين. كما ذكرت أسبوعيةأخرى صادرة يوم 14 ماي الجاري أن "مهندسا مزيّفا يلهف أموال الباحثين عن شغل!".

وعلى اثر تكثيف الحملات الأمنيّة بالأماكن العموميّة وخاصة من قبل الأعوان بالزي المدني، انتشر الخوف لدى المواطنين فأصبحوا لا يتجرأون على المطالبة بهويّة العون قبل تسليمه بطاقات تعريفهم. واستغلّ بعض المحتالين هذه الوضعيّة لسلب المواطنين، فقد سجلنا في الفترة الأخيرة عدة حالات تم خلالها سلب وسرقة مواطنين بعد تقمّص الجاني صفة عون أمن، ففي ساحة برشلونة قام متحيّل بإيهام شاب أنّه عون أمن ونجح في سرقته، كما وصلت جرأة البعض منهم  إلى التحيّل عبر انتحال صفة عون أمن أمام مقر وزارة الداخليّة بالعاصمة، إذ سبق وأن تحدّثت صحيفة "الصباح" الصادرة يوم 11 أفريل 2008 عن متحيّلين يوهمان شابين بأنهما أعوان أمن للاستحواذ على حافظة النقود... وأكثر من ذلك تمكّن أربعة شبّان من انتحال صفة دوريّة أمنيّة بعد أن قاموا بسرقة سيارة للغرض (انظر صحيفة "الشروق" ليوم 8 ماي الجاري) ""أعوان أمن" مزيّفون يسلبون المارة". 

   أمّا بالنسبة لوسائل التحيّل، فقد سجلنا 16  وسيلة تم من خلالها التحيّل على المواطنين نذكر منها الهجرة  السريّة (حالتان) والهجرة الشرعيّة ( 12 حالة)، تقمّص صفة عون أمن (  7حالات) ، تحيّل في الملكية والبيع (14 حالة)، عرّاف وهمي (6 حالات)، كنوز وهميّة (7 حالات)، تحيّل على شركات من أجل الاستيلاء (13 حالة)…

ويدل هذا التنوع في الجرائم على أن أنواعا جديدة من الجريمة غزت مجتمعنا وهي في سبيلها إلى التوسع والإنتشار مما يفرض تطويقها وملاحقتها. لكن مكافحة الجريمة لا يكون بالأساليب الأمنية وحدها وإنما تحتاج هذه الظواهر إلى معالجة اجتماعية وثقافية وعمل تربوي وتوعوي يُحصن المواطن من الوقوع فريسة للمحتالين  ويحول دون انحراف الشباب العاطل، وبخاصة الخريجين، نحو عالم الجريمة بصفته الملجأ الأخير لهم لكسب القوت.

سامي نصر

دكتور في علم الاجتماع

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

التطبيع مع المرفوض بين الوهم والحقيقة

  التطبيع مع المرفوض مقولة وهمية لا يمكن للشعوب التطبيع مع ما ترفضه مهما كانت قوة المرفوض ومهما كانت درجة ضعف الرافض... كثيرا ما يفسر السكوت...