قراءة
سوسيولوجية لظاهرة الفيــــــــــــــــس
"التباهي-
التفخر"
(مقتطفات من
الدراسة)
سامي نصر
دكتور في
علم الاجتماع
معنى الفيس
هناك أكثر من مرادفة لغوية
لكلمة "الفيس" مثلا: يتفيّس= يفتخر، يتباهى، باللهجة المصرية
"يتفشخر"، بلهجة الجنوب التونسي "يتنقر"...
هو إظهار متعمّد لأشياء
وعلامات للتباهي بها، قد تكون موجودة فعلا لدى المتباهي أو "المتفيّس"،
أو إيهام الآخرين بوجودها وامتلاكها لدى المتفيّس... وبالتالي يمكن تناول الفيس
كظاهرة اجتماعية حاضرة بقوة في كل المجتمعات والشعوب وفي كل الفترات التاريخية،
كما يمكن تناولها أيضا كآلية تواصلية مع الآخرين.
استعمال عبارة
"الفيس" عوضا عن التباهي والتفاخر هي في حد ذاتها فيس (cité sautée) عوض عن حي ينقز)
الخصائص الاجتماعية للفيس:
هي ظاهرة اجتماعية منتشرة في
كل المجتمعات وحاضرة بقوّة في كل المراحل التاريخية للحياة البشرية
ظاهرة اجتماعية متحرّكة
ومتغيّرة، ترتبط بشكل كبير بما يثمنه المجتمع وما يرفضه وينبذه المجتمع
وبالتالي هي عبارة عن إظهار
أشياء يثمنها المجتمع أو اخفاء أشياء ينبذها ويرفضها
كما يمكن اعتبارها آلية من
آليات اكتساب الشرعية والمشروعية الاجتماعية للتموقع الاجتماعي
تمارس من قبل الأفراد كما قد
تمارس من قبل السلطة والدولة (اكبر علم، اكبر مقفول للكسكسي...)
الأهمية السوسيولوجية لهذا
الموضوع تكمن في كون عبر الفيس يمكن دراسة خصائص الشعوب والمجتمعات = مخبر جيّد
للدراسة + كشف الوجه الآخر للمجتمع التونسي
ما تجدر الإشارة إليه هو أنه
لا يخلو أي مجتمع مهما كان من ظاهرة الفيس وأن "كلّنا نفيّس، ولكن كل واحد يفيّس
بطريقته الخاصة"
أما من حيث تقييمها اجتماعيّا
والحكم عليها بالايجابية أو السلبية، فذلك يتوقف على تصنيف الفيّاسة وتحديد
الأهداف الكامنة وراء ذلك
أصناف الفيّاسة:
بعض الدراسات السوسيولوجية
تقسّم الفيّاسة إلى ثلاثة (03) أصناف هي:
الصنف الأوّل، له القدرة على امتلاك ما يتباهى به= يتباهى بما يملك
الصنف الثاني، ليست له القدرة على امتلاك ما يتباهى به= يتباهى بما
لا يملك، أي يوهم بامتلاكه
الصنف الثالث، الفيّاس المتحيّل، الاعتماد على الفيس كتقنية
للإيقاع بالضحية
أهداف الفيّاسة:
تختلف الأهداف باختلاف
الأصناف المذكورة:
الصنف الأوّل، من يتباهى بما
يملك:
ü
الرغبة في التميّز،
ü
الرغبة في إثبات الذات
ü
الرغبة في إخفاء بعض نقاط الضعف
ü
التعبير عن الاعتزاز بما يملك
هناك ما يمكن أن نسميه بالإفراط
المتعمّد في إظهار ما يملكه المتباهى.
الصنف الثاني، يتباهى بما لا
يملك:
ü
شكل من أشكال التعبير عن رفضه لوضعه وتوقعه الاجتماعي
ü
الإيهام بالانتماء لفئة هو في واقع الأمر لا ينتمي إليها
هنا يمكن أن نتحدث عن المغالطة
الصنف الثالث، المتحيّل:
ü
تقنية أو آلية للإيقاع بالضحية
ü
عبارة عن تقمّص شخصية أو انتحال صفة معينة
هنا يمكن ان نتحدث عن
المغالطة لتحقيق أهداف ربحية تحيّلية
أشكال الفيس
إذا اعتمدنا على أبسط تعريف
للفيس وهو تعمّد إظهار أشياء يثمنها المجتمع نستنتج أنه لا يوجد شكل واحد للفيس
فالأشكال تتغيّر وتتنوّع بتغيّر ما يثمّن اجتماعيّا، ويمكن أن نسجّل على الأقل
خمسة (05) أشكال للفيس هي:
أوّلا، فيس مرتبط بالبعد
الديني: ففي فترات
معينة أصبح البعد الديني من بين أهم الأشياء المثمنة اجتماعيّا، وهنا انتشرت
ظاهرة الفيس الديني:
استعمال سبحة التجوّل بها في
كل الأماكن واظهارها،
تصنّع علامات السجود والتقوى،
أي تعمّد إظهار مظاهر خارجية
توحي بالتقوى
ثانيا، فيس مرتبط بالبعد التعليمي
والنخبوي: قبل تفشي
وتفاقم ظاهرة بطالة خرجي الجامعات كان المجتمع يثمّن الطلبة ومتخرجي الجامعات
وأصحاب الشهائد العلمية، لئلك ظهر ما يسمى بالفيس التعليمي والنخبوي ومن بين
أشكاله:
التنقل بكتاب وتعمّد إظهاره لقراءته
أو التظاهر بقراءته،
تخصيص أماكن خاصة بالطلبة
تقريبا في كل بلد هناك مقهى تسمى او تنعت بمقهى الطلبة
ومع تراجع عمليّة التثمين بدأ
يتراجع هئا النوع من الفيس
ثالثا، فيس مرتبط بالبعد المادي (الغنى): مثل اقتناء
أو التظاهر باقتناء أشياء ثمينة
سيارة فخمة،
ساعة فخمة
ملابس باهظة الثمن،
هواتف جوالة آخر صيحة...
رابعا، فيس مرتبط بالبعد السياسي والنضالي: هذا النوع
من الفيس ظهر بشكل واضح في الفترة الأولى للثورة، ففي الوقت الذي ثمّن فيه المجتمع
البعد النضالي، رأينا الكثير ممن أصبح يتعمّد التباهى ويفيّس بتاريخه النضالي أو
يتظاهر بذلك.
خامسا، فيس مرتبط
بالبعد السياسي والشعبوي: لكسب الشرعية والمشروعية في المجال السياسي، ويتجلى
هذا الشكل من الفيس في البلاتووات السياسية وفي بعض مناقشات مجلس النواب، وخاصة في
فترة الحملات الانتخابية
تعمد اظهار القرب من الشارع
أو التظاهر بذلك
استنتاج: نستنتج مما سبق أن
هناك ثلاثة أبعاد للفيس، هي:
Ø
بعد اجتماعي: الشكل (1) و(2) و(3)
Ø
بعد سياسي: الشكل (4) و(5)
Ø
بعد تحيّلي: موجود في كل الأشكال المذكورة، يمكن تحديدها حسب نوع
الضحية وأهداف "المتفيّس".
هل يمكن اعتبار ظاهرة الفيس
ظاهرة صحية أم مرضية؟
من الصعب جدا إعطاء حكم شامل
على ظاهرة الفيس أو التباهي أو التفاخر
الحكم يكون حسب صنف الفيس
وأهداف الفيّاس
ما هو مثمّن أو يحتاج فعلا
للتثمين وتعمّد إظهاره يمكن اعتباره ظاهرة صحيّة، بل الكثير منها تندرج ضمن ما
يسمى بالإستراتيجية الاتصالية لنشر ثقافة ما أو تكريس سلوك معين مثلا:
مثلا الثقافة البيئية، الرفق
بكبار السن، ثقافة المطالعة... تحتاج فعلا لتعمّد إظهارها لخلق ثقافة معينة ضمن ما
يسمى بعدوى تقليد السلوكيات الايجابية.
لكن في المقابل العديد من
الأشكال الأخرى يمكن اعتبارها ظاهرة مرضية بأتم معنى الكلمة.